ولما وصل الملك الكامل إلى قلعة الجبل، عمل له صلاح الدين الإربلى دعوة فى داره، فحضرها السلطان. فأنشده الصلاح:
لو تعلم دارنا بمن قد جمعت ... مالت طربا وصفّقت واستمعت
والخمرة لو تعلم من يشربها ... كانت شكرت لعاصريها، ودعت
وفيها قصّر النيل فلم يوف، وانتهى إلى ثلاثة عشر ذراعا وثلاثة وعشرين أصبعا وقيل أنه انتهى إلى أربعة عشر ذراعا، وأصابع، وقيل بل بلغ ستة عشر ذراعا وعشرة أصابع. فارتفع سعر الغلّة. فسعّر الملك الكامل القمح بعشرين درهما ورقا «١» الإردب. وأمر مستخدمى «٢» الأهراء السلطانية ببيع القمح بخمسة وعشرين درهما ورقا. ومنع الناس من شراء الكثير منه، إلا المئونة. واستمر السعر كذلك بقية السنة.
ثم أطلق السلطان سعر الغلّة، فى ثالث المحرم سنة ثمان وعشرين، وأمر أن يباع بالسعر الواقع. فأبيع القمح فى هذا الوقت بخمسين درهما ورقا الإردب، والخبز أربعة أرطال بدرهم ورق. فنال الناس من ذلك شدّة عظيمة.
هكذا نقل مؤرخو «٣» ذلك العصر. فكيف لو شاهدوا ما شاهدناه فى- سنة خمس وتسعين وستمائة، على ما نذكره- إن شاء الله تعالى.