واستئذانه. وما زال الأمر جاريا على ذلك، إلى أن ملك السلطان الملك الصالح نجم الدين، فغلظ حجابه، وتعذّر خطابه وجوابه، وتعاظم أن يشاور فى الجزئيات، وأن يشافه إلا فى الأمور المعضلات. فاستقلّ حينئذ القضاة وغيرهم، واستبدّوا بالولايات والعزل.
ولنرجع إلى أحوال قاضى القضاة: شرف الدين، وسيرته.
وكان- رحمه الله تعالى- جوادا كريما، زاهدا لا يدّخر شيئا:
ولا يملك إلا سجّادة خضراء من الصوف، وسجّادة من أدم ومشطا وسبحه، ومقراضا، وعودا من أراك «١» . وليس له إلا بدلة واحدة، فإذا تغيّرت، غسلت له ليلا. وبغلة واحدة. فإذا كان زمن الربيع، استأجر بغلة فى كل يوم بثلاثة دراهم، ويقوم بعلفها من عنده، ما ملك عقارا، ولا وجبت عليه زكاة فى عمره.
وكان مضبوط المجلس، لا يسارّ أحدا فى مجلسه ولا يضحك فيه.
وكان كثير العبادة، يسرد الصّوم، ولا يفطر إلا الأيام التى لا يجوز صومها، كثير التلاوة للقرآن، والذّكر والأدعية. وكان. لا يكلّف أحدا قضاء حاجة، إلا ويعطيه فوق أجرته. حتى كان يدفع ملء إبريق ماء حارا فى الشتاء من الحمّام، عند كل صلاة، نصف درهم للحمّامى، وربع درهم لحامل ذلك إليه. وكان يدفع لبارى أقلامه أجرة، من درهمين إلى ثلاثة.