للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما للمنازل لا يجبن حزينا ... أصممن أم قدم البلى فبلينا؟

راحوا العشيّة روحة مذكورة ... إن متن متنا أو حيين حيينا

فما استتممته يا أمير المؤمنين، حتّى قامت الجارية، فأكبّت على رجلىّ تقبّلهما، وقالت: معذرة يا سيدى، فو الله ما سمعت أحدا يغنّى هذا الصوت غناءك، وقام مولاها وأهل المجلس، ففعلوا كفعلها، وطرب القوم واستحثّوا الشرب فشربوا، ثم اندفعت أغنّى

أفى الحقّ أن تمشى ولا تذكرنّنى ... وقد همعت عيناى من ذكرها الدّما

إلى الله أشكو بخلها وسماحتى ... لها عسل منى وتبذل علقما

فردّى مصاب القلب أنت قتلته ... ولا تتركيه ذاهل العقل مغرما

فطرب القوم حتّى خرجوا من عقولهم، فأمسكت عنهم ساعة حتّى تراجعوا، ثم غنّيت الثالث

هذا محبّك مطويّا على كمده ... عبرى مدامعه تجرى على جسده

له يد تسأل الرحمن راحته ... مما به ويد أخرى على كبده

فجعلت الجارية تصيح: هذا الغناء والله يا سيدى، لا ما كنّا فيه منذ اليوم، وسكر القوم، وكان صاحب المنزل حسن الشرب، صحيح العقل، فأمر غلمانه أن يخرجوهم ويحفظوهم إلى منازلهم، وخلوت معه، فلما شربنا أقداحا، قال: يا سيدى، ذهب ما مضى من أيامى ضياعا، إذ كنت لا أعرفك، فمن أنت؟ ولم يزل يلحّ علىّ، حتّى أخبرته الخبر، فقام وقبّل رأسى، وقال: وأنا أعجب أن يكون هذا الأدب إلا لملك! وإنى لجالس مع الخلافة ولا أشعر، ثمّ سألنى عن قصتى، فأخبرته حتّى بلغت إلى صاحبة الكف والمعصم، فقال للجارية: قومى فقولى لفلانة تنزل، فلم تزل تنزل