فوافاه الملك الناصر داود صاحب الكرك بالغور «١» ، فأكرمه ونقله إلى الكرك. وقال له: تقيم عندى بهذا الحصن وأنا لا أخرج عن أمرك. فأقام عنده مدة يسيرة. ثم استأذنه فى الخروج، فسأله عن موجب خروجه وكراهة مقامه. فقيل إنه قال له: هذا بلد صغير، وأنا أحبّ الانتقال إلى بلد أنشر به ما عندى من العلم.
فأذن له، وتوجه الشيخ إلى القدس، وأقام به. فجاء الملك الصالح إسماعيل بعساكره إلى القدس- وصحبته الفرنج- فأرسل إلى الشيخ بعض خواصّه بمنديله، وقال له: ادفع إليه منديلى وتلطّف به واستنزله، وعده بعوده إلى مناصبه. فإن أجاب، فائتنى به. وإن خاشنك فاعتقله فى خيمة إلى جانب خيمتى.
فأتاه الرسول ولاطفه، ثم قال له: بينك وبين أن تعود إلى مناصبك، وتعود إلى ما كنت عليه وزيادة، أن تقبّل يد السلطان. فقال له:«والله ما أرضاه أن يقبّل يدى، فضلا أن أقبّل يده» !! فقال: إنه قد رسم أن أعتقلك إذا لم توافق. فقال افعلوا ما بدالكم! فاعتقله فى خيمة إلى جانب خيمة السلطان.
وكان يقرأ القرآن والسلطان يسمعه. فقال يوما لملوك الفرنج: تسمعون هذا الذى يقرأ؟ قالوا نعم: قال هذا أكبر قسوس المسلمين، وقد حبسته لإنكاره علىّ تسليمى لكم حصون المسلمين، وعزلته من الخطابة بدمشق وعن مناصبه، ثم أخرجته عن دمشق فجاء إلى القدس. وقد جددت اعتقاله