ولما حصلت هذه الهزيمة على العسكر المصرى، ثبت الملك المعز فى نحو ثلاثمائة فارس أبطال أصحابه. وحمل بهم على الصّناجق الناصرية، رجاء أن يكون الملك الناصر تحتها، فيظفر به. وكان الملك الناصر قد احتاط لنفسه واعتزل المعركة، وتحيّز إلى فئة. فرجع إلى الشام- وصحبه نوفل الزّبيدى، وعلى السّعدى. وكان من انهزام عساكره وتمزيق جيوشه، وقتل أتابكه، ما نذكره فى أخبار الملك المعز- جريا على القاعدة.
وكان الأتابك شمس الدين لؤلؤ قد أسر، فأراد الملك المعز إبقاءه، وأشار عليه بذلك الأمير حسام الدين بن أبى على، وقال: لا تقتله، فإنك تأخذ به الشام. فقال الأمير فارس الدين أقطاى: هذا الذى يقول: إنه يأخذ مصر بمائتى قناع! فضربوا عنقه!. وكان- رحمه الله تعالى- أرمنىّ الجنس، صالحا عابدا، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وقتل وقد ناف على ستين سنة.
ولما حصلت هذه الوقعة، تأكّدت أسباب الوحشة بين الملكين:
الناصر والمعزّ، وثارت الفتن بينهما. وتجرّدت الجيوش من كل من الطائفتين مقابلة الأخرى، إلى أن قدم الشيخ نجم الدين البادرائى رسول الخليفة، فأصلح بين الملكين. ووقع الاتفاق على أن يأخذ الملك المعز من الملك الناصر القدس وغزّة، وجميع البلاد الساحلية، فتسلّم ذلك. وحلف كلّ من الملكين للآخر. ثم استعاد الملك الناصر ذلك من الملك المعزّ، لمّا التحق بها لأمراء البحريّة عند هربهم من الديار المصرية، بعد مقتل الأمير فارس الدين أقطاى- على ما نذكر ذلك- إن شاء الله تعالى. فلنذكر خلاف ذلك من أخباره.