للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخر

وأعرض عن مطاعم قد أراها ... فأتركها وفي البطن انطواء

فلا وأبيك ما في العيش خير ... وفي الدنيا إذا ذهب الحياء!

قال الجنيد: مرّ بى الحارث بن أسد المحاسبىّ، فرأيت فيه أثر الجوع، فقلت:

يا عمّ، تدخل الدار وتتناول شيئا؟ قال: نعم، فدخل، وقدّمت إليه طعاما حمل إلىّ من عرس، فأخذ لقمة فلاكها ونهض فألقاها في الدّهليز ومضى، فالتقيت به بعد أيام، فقلت له في ذلك، فقال: كنت جائعا، وأردت أن أسرّك بأكلى، ولكن بينى وبين الله تعالى علامة، أن لا يسوّغنى طعاما فيه شبهة، فمن أين كان ذلك الطعام؟ فأخبرته، ثم قلت له: تدخل اليوم؟ قال: نعم، فقدّمت إليه كسرا كانت لنا فأكل وقال: إذا قدّمت لفقير شيئا، فقدّم مثل هذا.

روى أن عمرو بن العاص قال لأصحابه يوم الحكمين: أكثروا لهم الطعام، فو الله ما بطن قوم إلا فقدوا بعض عقولهم، وما مضت عزمة رجل بات بطينا؛ فلما وجد معاوية ما قال صحيحا، قال: البطنة تذهب الفطنة.

وروى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشرب، فإن القلوب تموت كالزّرع إذا كثر عليه الماء» .

ودخل عمر رضى الله عنه على ابنه عاصم وهو يأكل لحما فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا اليه، قال: ويحك! قرمت إلى شىء فأكلته، كفى بالمرء شرها أن يأكل كلّ ما يشتهى.

قال ابن دريد: العرب تعيّر بكثرة الأكل، وأنشد

لست بأكّال كأكل العبد ... ولا بنوّام كنوم الفهد