إلى السلطان من صحبه من الحنابلة أن الشيخ مخالف لرأيه مباين لمذهبه، وأنه يقدح فيمن يعتقده ويذمه ويسبه، فأتهمهم السلطان فى ذلك، وطلب منهم تحقيقه عنده، فاجتمعوا وكتبوا فتيا فى مسألة الكلام وأرسلوها إلى الشيخ، وكان قد اتصل به خبر مكيدتهم، فلما أتته كتب عليها بما يعتقده من تعظيم الله تعالى وتنزيهه وتوحيده، وأنه حى مريد سميع بصير عليم، قدير متكلم قديم أزلى ليس بحرف ولا صوت ولا يتصور فى كلامه أن ينقلب مدادا فى الألواح والأوراق، بل الكتابة من أفعال العباد، ولا يتصور فى أفعالهم أن تكون قديمة، ويجب احترامها لدلالتها على ذاته، كما يجب احترامها لدلالتها على صفاته. وأطال فى الفتيا وبسط الكلام واستدل، ونفى عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وأكابر أصحابه خلاف ذلك، وأخرج الفتيا من يده وقد تحقق ما يؤول أمرها إليه، فعرضت على السلطان، ومن عرضها لا يشك أن فيها سفك دم الشيخ.
فلما وقف عليها استشاط غضبا وقال: صح عندى ما قالوه عنه، وتكلم فى حقه بأشنع الكلام، وكفره، وكان ذلك فى شهر رمضان، وقد اجتمع على سماطه القضاة والعلماء، فما استطاع أحد منهم أن يرد عليه لما عنده من الحرج. فقال بعضهم: السلطان أولى بالعفو والصفح لا سيما فى مثل هذا الشهر، وموّه آخرون بكلام يوهم صحة فذهب خصمه، ثم انفصلوا من المجلس. فنهض فى ذلك الشيخ جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب المالكى، رحمه الله تعالى، وهو عالم مذهبه فى زمانه. واجتمع بالقضاة والأعيان الذين حضروا المجلس، ووبخهم ولامهم وشدد عليهم النكير كونهم ما ذكروا الحق وكونهم سألوا العفو والصفح، وقال: هذا يوهم الذنب، ولم يزل إلى أن أخذ