وكان غرس الدين يحب الشيخ ويعتقده، فحضر إليه وجلس بين يديه، وتلطف به واستأذنه فى أداء الرسالة، فقال: أدها كما قيلت لك.
فقال: يقول لك السلطان: «إنا قد شرطنا عليك ثلاثة شروط، أحدها:
ألا تفتى، والثانى: ألا تجتمع بأحد، والثالث: أن تلزم بيتك» . فقال له:
إن هذه الشروط من نعم الله الجزيلة علىّ، المستوجبه للشكر لله تعالى على الدوام.
أما الفتيا: فإنى والله كنت متبرما بها وأكرهها. وأعتقد أن المفتى على شفير جهنم. ولولا أنى كنت أراها متعينة علىّ لما أفنيت. والآن فقد سقط عنى الوجوب وتخلصت ذمتى ولله الحمد والمنة. وأما ترك اجتماعى بالناس ولزومى لبيتى: فهذا من سعادتى لتفرغى لعبادة الله تعالى. والسعيد من لزم بيته وبكى على خطيئته واشتغل بطاعة الله تعالى. وهذا تسليك من الحق، وهدية من الله تعالى إلىّ أجراها على يد السلطان وهو غضبان وأنا بها فرحان. والله لو كان عندى خلعة تصلح لك على هذه الرسالة المتضمنة لهذه البشارة لخلعتها «١» عليك ونحن على الفتوح، خذ هذه السجادة صل عليها فقبلها الحاجب وقبلّها، وانصرف إلى السلطان وقص عليه ما قاله الشيخ. فقال لمن حضره: قولوا لى ما أفعل به، هذا رجل يرى العقوبة نعمة، أتركوه، بيننا وبينه الله.
وبقى على ذلك ثلاثة أيام الى أن ركب الشيخ العلامة جمال الدين الحصيرى شيخ الحنفية حماره وتوجه إلى القلعة، وكان معظما عند السلطان وقد جمع العلم والعمل، فلما بلغ السلطان وصوله إلى القلعة أرسل خواصه يتلقونه، وأمرهم أن يدخلوا إلى داره على حماره ففعل. ولما رآه السلطان وثب إليه وتلقاه،