وقيل: لا يجوز للرجل أن يكذب لصلاح نفسه، فما عجز الصدق عن إصلاحه كان الكذب أولى بفساده. قال بعض الشعراء
ما أحسن الصدق والمغبوط قائله ... وأقبح الكذب عند الله والناس
وقالوا: احذر مصاحبة الكذّاب، فان اضطررت إليها فلا تصدّقه ولا تعلمه أنك كذبته، فينتقل عن مودّته، ولا ينتقل عن كذبه.
وقال هرمس: اجتنب مصاحبة الكذاب، فإنك لست منه على شىء يتحصّل، وإنما أنت معه على مثل السّراب يلمع ولا ينفع.
وقيل: الكذّاب شرّ من النّمّام، فإن الكذّاب يختلق عليك، والنّمام ينقل عنك. قال شاعر
إن النّموم أغطّى دونه خبرى ... وليس لى حيلة في مفترى الكذب
وقال آخر
لى حيلة فيمن ينم ... وليس في الكذّاب حيلة
من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتى فيه قليله
ووصف أعرابىّ كذابا فقال: كذبه مثل عطاسه، لا يمكنه ردّه.
وقال بعض الأعراب: عجبت من الكذّاب المشيد بكذبه، وإنما هو يدلّ الناس على عيبه، ويتعرّض للعقاب من ربّه، فالآثام له عادة، والأخبار عنه متضادّة، إن قال حقا لم يصدّق، وإن أراد خيرا لم يوفّق، فهو الجانى على نفسه بفعاله، والدّالّ على فضيحتها بمقالة، فما صحّ من صدقه نسب إلى غيره، وما صحّ من كذب غيره نسب إليه.