الصالح دمشق كما تقدم، ولاه قضاء بعلبك وأعمالها وقرر له معلوما كثيرا، وكان قد وصل فى صحبته، ولما ملك الديار المصرية حضر إليه فأكرمه، وفوض إليه القضاء بمصر والوجه القبلى، ثم بالقاهرة والوجه البحرى كما تقدم ذكر ذلك، وولى الوزارة كما تقدم أيضا فى أيام الملك المنسور نور الدين بن الملك المعز، وكان، رحمه الله تعالى، مكينا عند السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب، وكان الأمير فخر الدين بن الشيخ بكرهه، فكتب إلى السلطان الملك الصالح يذكر عنه أنه يأخذ من نوابه الأموال، ومن يعدله من الشهود، وأشباه ذلك، فأجابه السلطان فى طرة كتابه:«يا أخى فخر الدين: للقاضى بدر الدين على حقوق عظيمة لا أقوم بشكرها، والذى وليناه قليل فى حقه، وما قمت له بما يجب على من مكافأته» ، فلم يعاوده الأمير فخر الدين فى أمره، وبقيت هذه الورقة عنده فى جملة أوراقه، فلما قتل وخلف بنتا صغيرة، احتاط ديوان الأيتام على موجوده فوجدوا هذه الورقة فحملوها إلى القاضى بدر الدين، فأوقف الناس عليها، وكان رحمه الله تعالى، كريما كثير الاحتمال، كثير المروءة، حسن العشرة، يقبل الاعتذار، ولا يكافىء على السيئة بمثلها، بل يحسن لمن ظهرت اساءته، ويبره بماله ويستميله باحسانه، إلا أنه شهر عنه فى ولاية القضاء قبول هدايا النواب، حتى قيل إنه ربما كان قرر على كل منهم ما لا يحمله فى كل مدة فى مقابلة ولايته على قدر الولاية، وكذلك أيضا من يقصد إنشاء عدالته حتى كثر المعدلون فى أيامه، ووصل إلى العدالة من ليس من أهلها، ولما ولى قاضى القضاة تاج الدين أسقط كثيرا من عدوله، ولقد جاء بعد ذلك زماننا وأدركت بقايا عدوله فكانوا أميز العدول وأجلّ الناس، ومنهم من لى قضاء القضاة وبلغ، رحمه الله تعالى، خمسة وثمانين سنة وثلاثة أشهر، رحمه الله تعالى.