رمح، وفى بعض المواضع أحد عشر ذراعا، ودخل من باب الفراديس بعد أن خرب جسره، وأخرب جسر بابى السلامة وتوما، ووصل إلى المدرسة الفلكية وصار فيها مقدار قامة وبسطة. واستمر ثلاث ساعات من النهار وهبط. وكان مبدأ هذا السيل أنه انعقد على جبال بعلبك غيم متكائف فسمع لرعده دوى هائل فى يوم السبت حادى عشر شوال، وكان بذلك الوادى ثلوج كثيرة، فوقع المطر على الثلوج فحلها، وسال فى يوم الأحد من جهة عين الفيجة بعد أن رمى فيها صخورا عظيمة ساقها بين يديه، واقتلع أشجار جوز عادية، وانتهى إلى دمشق وخرب عدة كثيرة من دور العقبية، وخرب حيطان الميدان وقطاير «١» البساتين، وأهلك خلقا كثيرا من الروم والعجم كانوا قد قدموا حجاجا ونزلوا بالميدان فغرقوا عن آخرهم هم وجمالهم ودوابهم، وأغرق من الحيوانات على اختلاف أجناسها مما لا يعد كثرة، وردم الأنهار بطين أصفر، واقتلع الأشجار من أصولها. ودخل السلطان بعد ذلك بأيام إلى دمشق فما وجد بها ماء ولا حماما يدور، وشرب الناس من الصهاريج والآبار. ويقال إنه هلك بهذا السيل عشرة آلاف نفس، وأخذ الطواحين بحجارتها.
وحكى أن فقيرا يعرف بالخبر حضر «٢» إلى دار نائب السلطنة بدمشق قبل هذه الحادثة وقال: «عرفوا الأمير أنى أريد أعدو إلى بعلبك» . فقال له الأمير:
«رح، اجر» . وضحكوا منه. فتوجه، وعاد وهو ينذر الناس بالسيل.
فضحكوا منه ولم يعبأوا بكلامه. فما أحسّوا إلا والسيل قد هجم.