المنتقلة مخاطبته بأخذ أنطاكية [منه] من البرنسية إلى القومصية، ألهمه الله رشده، وقرن بالخير قصده، وجعل النصيحة محفوظة عنده. ما كان من قصدنا طرابلس وغزونا له فى عقر الدار، وما شاهده بعد رحيلنا من إخراب العمائر، وهدم الأعمار، وكيف كنست تلك الكنائس من بساط الأرض، ودارت الدوائر على كل دار، وكيف جعلت تلك الجزائر من الأجساد على ساحل البحر كالجزائر، وكيف قتلت الرجال، واستخدمت الأولاد، وتملكت الحرائر، وكيف قطعت الأشجار، ولم يترك إلا ما يصلح لأعواد المجانيق [إن شاء الله] والستائر، وكيف نهبت لك ولرعيتك الأموال والحريم والأولاد والمواشى، وكيف استغنى الفقير وتأهل العازب «١» واستخدم الخديم وركب الماشى» .
«هذا وأنت تنظر المغشى عليه من الموت، وإذا سمعت صوتا قلت فزعا:
على هذا الصوت «٢» ، وكيف رحلنا عنك رحيل من يعود، وأخرناك وما كان تأخيرك إلا لأجل معدود. وكيف فارقنا بلادك، وما بقيت ماشية إلا وهى لدينا ماشية، ولا جارية إلا وهى فى ملكنا جارية، ولا سارية إلا وهى فى أيدى المعاول سارية، ولا زرع إلا وهو محصود، ولا موجود لك إلا وهو منك مفقود، ولا منعت تلك المغاير «٣» التى هى فى رءوس الجبال الشاهقة، ولا تلك الأودية التى هى فى التخوم مخترفة وللعقول خارقة. وكيف سقنا عنك ولم يسبقنا إلى مدينتك أنطاكية خبر.
وكيف وصلنا إليها وأنت لا تصدق أننا تبعد عنك، وأن بعدنا فسنعود على الأمر. وها نحن نبلغك بماتم، ونفهمك بالبلاء الذى عم» .