للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما فرغت حضر الملك إليها ورآها، فأكرم الصناع ومدّ لهم طعاما ثلاثة أيام، وأمر ببناء الأدر والدكاكين، فشرع الناس فى بنائها، ووهب كل من يحضر إليها وينزل حولها خراج ثلاث سنين، وبنى الكنائس وبيوت عباداتهم فاجتمع العالم إليها.

واتفق أن الملك جلس فى بعض الأيام وهو مسرور فرح، فقال له وزيره: «لو عرفت ما أنفقت فى هذه المدينة ما كنت تفرح» فاستيقظ لنفسه، وأمر بعمل حساب ما أنفق فيها سوى الضيافات والجواميس التى أخذت من المروج والبهائم بغير ثمن، فجاءت أربعة آلاف قنطار وخمسين قنطارا ذهبا، فعظم ذلك عنده، وأمسك عن العمارة، وشرع فى بناء مدائن تغل، فبنى سبع مدائن، وأسكن الناس فيها. واستمرت فى يد الملك، ومن ملك بعده، وعمارتها تتزايد، وكل ملك يؤثر بها تأثيرا، ويجدد بها طلسما إلى أن ظهر المسيح عليه السلام.

وما زالت فى يد الروم إلى أن فتحها المسلمون فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، كما قدمناه فى خلافته. ولما ولى معاوية بن أبى سفيان نقل إلى أنطاكية فى سنة اثنتين وأربعين جماعة من الفرس وأهل بعلبك وحمص، وكان منهم: مسلم بن عبد الله جد عبد الله بن حبيب بن مسلم الأنطاكى. ولم تزل بيد عمال الخلفاء فى الدولتين الأموية والعباسية، ثم استقرت فى يد بنى حمدان. فلما مات سيف الدولة ابن حمدان اتفق أهلها أنهم لا يمكنون أحدا من الحمدانية يدخلها، وولوا شخصا يسمى بغلوش الكردى، وكان قد ورد الغزاة من خراسان خمسة آلاف رجل فأمسكهم وتقوى بهم واشتد أمره، وكان منهم رجل أسود