للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى حجر عائشة بنت عثمان؛ فلم يزل يعلو وأسفل حتى بلغنا هذه المنزلة. وقال إسحاق ابن إبراهيم: كان أشعب مع ملاحته ونوادره يغنّى أصواتا فيجيدها. وفيه يقول عبد الله ابن مصعب الزبيرى عفا الله عنه:

اذا تمززت صراحيّة «١» ... كمثل ريح المسك أو أطيب

ثم تغنّى لى بأهزاجه ... زيد أخو الأنصار أو أشعب

حسبت أنى ملك جالس ... حفّت به الأملاك والموكب

وما أبالى وإله العلا «٢» ... أشرّق العالم أم غرّبوا

ولأشعب نوادر مستظرفة وحكايات مستحسنة، وقد آن أن نذكرها. فمنها ما حكى أنه كان يقول: كلبى كلب سوء، يبصبص للأضياف، وينبح على أصحاب الهدايا. وقيل له: قد لقيت رجالا من أصحاب النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلو حفظت أحاديث تتحدّث بها! فقال: أنا أعلم الناس بالحديث. قيل: فحدّثنا. قال: حدّثنى عكرمة عن ابن عبّاس رضى الله عنهم قال: خلّتان لا تجتمعان في مؤمن إلا دخل الجنة، ثم سكت، فقيل له: هات، ما الخلتان؟ قال: نسى عكرمة إحداهما ونسيت أنا الأخرى. وكان أشعب يحدّث عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما فيقول:

حدّثنى عبد الله، وكان يبغضنى في الله. وكان أشعب يلازم طعام سالم بن عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم. فآشتهى سالم أن يأكل مع بناته فخرج الى البستان؛ فجاء أشعب الى منزل سالم على عادته؛ فأخبر بالقصة؛ فاكترى جملا بدرهم وجاء الى البستان. فلما حاذى الحائط وثب فصار عليه؛ فغطّى سالم بناته بثوبه وقال:

بناتى بناتى! فقال أشعب: (لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) .