للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العسكر ورموهم رشقا واحدا واحدا بالسهام، فقتل من هلنكة أربعمائة وستون نفرا، وجرح منهم خلق كثير، ولم يتمكن العسكر من أسرهم فإنهم كانوا يرون القتل أحب إليهم من الأسر، وقتل منهم اثنان من ملوكهم على ما حكاه من اجتمع بهم من غلمان العسكر، وكان سبب اجتماعهم بهم وسلامتهم منهم أنهم كانوا انقطعوا وراء العسكر وناموا، فلحقهم كشافة هلنكة فمسكوهم وأتوا بهم إلى أكابرهم، فسألوهم من أين أنتم؟ وكان فيهم من يعرف لغة القوم، فقالوا:

نحن تجار أغار علينا هذا العسكر ونهبونا، وأخذوا أموالنا وأسرونا. فلما قاتلتموهم [١] هربنا منهم، فرقّوا لهم وأطلقوهم، وذكروا لهم عدة من قتل منهم.

ولما انهزمت هذه الطائفة من هلنكة تحصنوا بالأشجار وتركوا أحمالهم فأخذ العسكر منها [٢] ما قدروا على حمله من الذرة- وليس لهم طعام غيرها- وحملوا حاجتهم من الماء ورجعوا من هناك من يومهم على آثارهم، وذلك فى سادس شهر ربيع الأول سنة سبع عشرة، وعادوا حتى انتهوا إلى أرنيباب، ولم يمكنهم الرجوع على الطريق الذى دخلوا منه لقلة المياه والأقوات والعلوفات، فعدلوا إلى جهة الأبواب من بلاد النوبة، وأخذوا على نهر أتبرا فساروا على شاطئه عشرين يوما، وكانت دوابهم ترعى من الحلفاء [٣] ، ثم انتهوا إلى قبالة الأبواب فأقاموا هناك يوما وتوجه [٤] سيف الدين أبو بكر بن والى الليل فى الرسلية [٥] من جهة متولى الأعمال القوصية الأمير سيف الدين طقصبا إلى متملك الأبواب، فخاف ولم يأت إلى العسكر، وأرسل إليهم بمائتى رأس بقر وأغنام وذرة، ونهب العسكر ما وجدوه بتلك الجهة من الذرة، وتوجهوا إلى مدينة دنقلة فى سبعة عشر يوما فى أرض كثيرة الأشجار والأفيلة والقرود والنسانيس والوحش الذى يسمى المرعفيف [٦] ، فأقاموا ثلاثة أيام- وملكها عبد الله برشنبوا كما تقدم- وأضاف العسكر وزودّهم، وتوجهوا إلى ثغر أسوان ثم إلى مدينة قوصى، وأقاموا بها خمسة عشر يوما، وحصل للعسكر فى هذه


[١] فى ك «قاتلوهم» والمثبت من ص، ويستقيم به السياق.
[٢] فى ك، وف «فيها» والمثبت من ص.
[٣] الحلفائى والحلفة، فى الأصول «الحلف» والحلفاء، نبات أطرافه محددة كأنها سعف النخيل والخوص ينبت فى مغايض المياه (المنجد) .
[٤] فى الأصول «وتؤخر» ولعل الصواب ما أثبته.
[٥] الرسلية: قافلة البريد.
[٦] كذا فى الأصول، ولم اهتد إلى التعريف به.