للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم دنوت منه فلم أجده ذاك وشبهته بآخر فحرضته كذلك فلما قربت منه نظر إلى وقال لست فلانا ولا فلانا النصر من عند الله، ثم غاب عني وفى هذا دلالة على أن الله تعالى أمد هذه الطائفة بالملائكة فى هذه الغزاة، فإن القدرة البشرية تضعف عن مقاومة هذه الجموع الكثيرة بهذه الطائفة اليسيرة [١] .

وقد ورد كتاب إلى الديار المصرية من أغرناطة من جهة الشيخ حسين بن عبد السلام تضمن من خبر هذه الغزاة أنه قال جاء دون بطرا وجوان وهما ملكا قشتالة جيشا جيشا هائلا ما رأى المسلمون قط مثله، وعزموا على دخول أغرناطة فأول نزولهم على حصن يقال له طشكر [٢] وفيه صاحبه ابن حمدون فلما نازلوه بعث إليهم صاحب الحصن فى تسليمه على إبقاء المسلمين فأجاب ملك الروم إلى ذلك واستقر أن يسكن المسلمون والروم فى الحصن فواعدهم صاحب الحصن أن يبعثوا إليه فى نصف الليل خمسمائة فارس من الشجعان فبعثهم الملك إليه مع قائد يقال له أرمند فلما دخلوا الحصن فرقهم صاحب المجالس وقتلهم عن آخرهم ولم يشعر بعضهم ببعض فلما علم ملك الروم أنه عذر بهم حلف أن لا يرجع إلى بلاده حتى يدخل مدينة أغرناطة غلبة وقهرا [٣] فنازلها بمن معه على أربعة أميال منها [٤] فلم يخرج إليه أحد ثم تقرب حتى صار منها على ميلين فلما رأى المسلمون قربه من المدينة وقع فى نفوسهم رعب عظيم وتضرعوا إلى الله تعالى، فلما رأى سلطان البلد ما نزل بالمسلمين بعث إلى ملك الفرنج يقول له: ارحل عنى بأجنادك وأنا أعطيك عشرين حملا من المال ولا تفسد زرع البلاد، فامتنع من قبول ذلك وأبى إلا أخذها غلبة وقهرا فبعث إليه ثانيا وبذل له خمسة وعشرين حملا من الذهب، [١٣٣] وفى كل يوم مائة دينار وفى كل جمعة ألف دينار. فامتنع ملك الروم من القبول وحبس رسول المسلمين، فعلم المسلمون حينئذ أنه لا ينجيهم إلا النصر من الله تعالى فبعثوا


[١] فى ك «البشرية» والمثبت من ص، وف.
[٢] حصن طشكر: حصن حصين فى كورة جيان من أعمال الأندلس، لا يرتقى إلا بالسلاليم (معجم البلدان:
٤: ٤٠، وأنظر الإحاطة ٣٩٧) .
[٣] فى ك «عليه قهرا» وكذلك ملحق السلوك ٢: ٩٥٧، والمثبت من ص، وف.
[٤] فى ك «فيها» والمثبت من ص، وف.