لعلىّ. فلما أصبح حمزة غدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعتذر. فقال:«مه يا عمّ فقد سألت الله فعفا عنك» . قالوا: واتخذ عتبان بن مالك صنيعا ودعا رجالا من المسلمين، منهم «١» سعد بن أبى وقّاص، وكان قد شوى لهم رأس بعير فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، ثم إنهم افتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الأشعار، وأنشد سعد قصيدة فيها هجاء الأنصار وفخر لقومه؛ فقام رجل من الأنصار فأخذ لحى البعير فضرب به رأس سعد فشجّه شجّة موضحة. فانطلق سعد الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشكا اليه الأنصار. فقال عمر رضى الله عنه: اللهم بيّن لنا رأيك في الخمر بيانا شافيا؛ فأنزل الله عزّوجلّ تحريم الخمر في سورة المائدة (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ)
الآية الى (مُنْتَهُونَ)
. فقال عمر: انتهينا يا ربّ. وقيل: إنها حرّمت بعد غزوة الأحزاب بأيام في ذى القعدة سنة خمس من الهجرة. والله أعلم.
قال أنس رضى الله عنه: حرّمت ولم يكن للعرب يومئذ عيش أعجب منها، وما حرّم عليهم شيء أشدّ من الخمر. قال: فأخرجنا الحباب الى الطريق فصببنا ما فيها، فمنّا من كسر حبّه، ومنّا من غسله بالماء والطين، ولقد غودرت أزقّة المدينة بعد ذلك حينا، كلّما مطرت استبان فيها لون الخمر وفاحت ريحها.
وقال أنس بن مالك رضى الله عنه: كنت ساقى القوم يوم حرّمت الخمر فى بيت أبى طلحة، وما شرابهم إلا فضيخ «٢» البسر والتمر، فاذا مناد ينادى، فقال القوم:
اخرج فانظر، فاذا مناد ينادى: ألا إنّ الخمر قد حرّمت، قال: فجرت في سكك المدينة.
فقال لى أبو طلحة: اخرج فاهرقها فهرقتها. فقالوا: أو قال بعضهم: قتل فلان! قتل فلان! وهى في بطونهم، فأنزل الله عزّوجلّ:(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) .