للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان سبب ذلك أن الوقف ضاق ريعه عن المرتب عليه، فأراد قاضى القضاة اختصار بعض المرتّبين، ليتسع الريع على من بقى، وعزم على قطع درس الطب وغيره، فقام فى ذلك مدرس الطب بالمكان، وهو علم الدين الشوبكى [١] ، وسعى فى مباشرة الوقف، ووقع فى ذلك تشنيع كثير، وشكاوى ممن حصل الغرم على توفيرهم، واتصلت الشكاوى بعلم السلطان، ففوض النظر فيه وفى أوقافه لوكيله المشار إليه، ففعل فى أمر الوقف ما لا يتمكن القاضى بدر الدين من فعله ولا يمكنه، وذلك أنه نجّز توقيعا شريفا سلطانيا بمسامحة الوقف بما على ناحية «منية اندوانة» من عمل الجسور السلطانية وغيرها مما كان يحمل إلى بيت المال، وهو فى السنة نحو عشرة آلاف درهم، ووفر جامكية [٢] جماعة من المباشرين بشرط الواقف، وتقديرها نحو ذلك، واسترجع جهات من الوقف كانت مؤجّرة بأجاير شرعية، فأخذها ممن هى فى يده بالإيجار الشرعى وحماها، فتميز ريعها، وتحدث مع السلطان فى عمارة الجامع من أموال الخاص، فرسم بذلك، فعمر، ووقف/ السلطان عليه وقفا من جهته، وحمى أوقافه المسقفة، ونقل السكان إليها، فحصلت الزيادة فيها جملة فى كل سنة، فاتسع المال بهذه الأسباب، وفاض المتحصل عن كفاية المرتبين عليه، وعلم القاضى كريم الدين أنه لا يستحق جامكية النظر التى شرطها الواقف للناظر، وهى فى كل شهر أربعمائة درهم، فامتنع من أخذها، وبعثها إلى قاضى القضاة بدر الدين، فردها ولم يقبلها، فتوفرت هى وجامكية نيابة النظر، وهى فى كل شهر مائة درهم، وكان قد تأخر فى مدة قاضى القضاة للمدرسين والمعيدين والطلبة خمسة أشهر، فامتنع كريم الدين من صرف ذلك إليهم، [لاستقبال] [٣] مباشرته، واستمر الصرف لهم كل شهر فى مستهل الشهر الذى يليه.


[١] علم الدين الشوبكى، واسمه توما بن إبراهيم الطبيب، كان من أطباء السلطان الناصر، وترجمة مدرس الطب هذا فى (الدرر ١/٥٢٨) .
[٢] الجامكية، والجومك: رواتب موظفى الدولة من الملكية والعسكرية وهو لفظ فارسى مركب من جامه- قيمة، وكى: وهى أداة النسب (الألفاظ الفارسية المعربة ص ٤٥، ومحيط المحيط) .
[٣] ما بين الحاصرتين من «أ» ص ٧ وعبارة «ك» (لاستبقاء) وما أثبتناه هو الصحيح.