بالديار المصرية، فتوجه إليها كارها فى سادس عشر صفر سنة ثمانى عشرة وسبعماية، وأقام بها إلى أن سأل أن يفسح له فى التوجه إلى الحجاز الشريف، فأذن له فى/ (٥٢) ذلك، فحج ولم يعد إليها، واستعفى من المباشرة، فرسم له بالإقامة بالقدس الشريف، فأقام هناك، ورتّب له على سبيل الراتب فى كل شهر ثمانمائة درهم وثمانية غراير [١] ، فلم يزل بالقدس الشريف إلى أن قبض على كريم الدين كما تقدم، فرسم السلطان بطلبه إلى الأبواب العلية، وكتب بذلك إلى نائب السلطنة الشريفة بالشام على يد الأمير علاء الدين مغلطاى الجمالى، فتوجه إلى دمشق، وأرسل إليه البريد منها، فحضر إلى الأبواب السلطانية.
وكان وصوله فى بكرة نهار الأحد الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وسبعماية، فمثل بين يدى المقام الشريف، فأقبل عليه غاية الإقبال، والبسه تشريفا، ونزل إلى داره، فلم يستقر به الجلوس حتى طلبه ثانيا، ففوض إليه الوزارة، وأنعم عليه بالدواة والبغلة، وأقام بالقلعة إلى عشية النهار ينفّذ الأشغال، ثم ركب منها إلى داره واجتمع الناس ببابه، وامتلأت الأزقة والشوارع والرحبة التى أمام الدار على سعتها، وازدحموا حتى كاد يعجز عن الوصول إلى باب داره والدخول إليها إلا بجهد كبير.
وأصبح فى يوم الاثنين الخامس والعشرين من الشهر، وركب فى موكب الوزارة، وجلس بدار العدل الشريف مع السلطان إلى أن انقضى المجلس، وقام إلى قاعة الوزارة، وفتح له الشبّاك بها، وكان قد أغلق بعد عزله عن الوزارة، فلم يفتح إلا فى هذا اليوم، فجلس فيه، وأظهر الإحسان إلى الناس، ونشر فيهم العدل، ووعدهم عن نفسه وعن السلطان بكل جميل، فسر الناس بمقدمه، وازدحموا عليه حتى منعوه من تنفيذ أشغال الدولة، فكانت قلعة الجبل تغص بالناس من أرباب/ (٥٣) الأشغال والوظايف والبطّالين والمتفرّجين، إلى أن رسم بمنع كثير من العوام من طلوع القلعة، وأقام على ذلك أياما حتى خف الناس، ولما ركب إلى مصر فى يوم الثلاثاء السادس والعشرين من الشهر تلقاه الناس بالفرح والسرور والدعاء له، وازدحموا عليه فيما بين مصر والقاهرة، حتى امتلأت بهم الطرق.
[١] الغرائر: جمع الغرارة، وهى وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه، وهى أكبر من الجوالق.