فأرسل الرسول إليه يقول: أنا إنما أتيت من قبل الملك، ولم أجىء من قبل جوبان النائب، ولا الأمراء، فكيف سألنى نائب السلطان عنهم، ولم يسألنى عن الملك؟
فأجابه الأمير سيف الدين (تنكز) بقوله: أنا نائب سلطنة لا أسأل إلا عن نائب سلطنة مثلى أو أمير، وأما الملك فإنما يسأل عنه السلطان خلّد الله ملكه، ثم أرسل إليه يعنّفه على ما صدر منه من الحمق والترفع على الأمير الذى سيره للقائه، وقال:«إن ما وراء الفرات من البلاد الحادثة فى مملكتكم هى بلاد كفر ونفاق وخوارج، وأما ما وراء الفرات مما يلى الشام فهى بلاد إسلام، ومساكن أنبياء، ومقر العبّاد والصّلحاء والعلماء والفقهاء، فينبغى لمن يحضر إليها أن يتأدب بأدب الله تعالى» ، فاستعظم الرسول نائب السلطنة بالشام، وتهذبت أخلاقه وتأدب بعد ذلك مع من يصل إليه، ثم أمره بالمسير إلى الأبواب السلطانية، فتوجه وطالع نائب السلطنة السلطان بصورة الحال، فشكر فعله.
ولما وصل الرسل إلى الأبواب السلطانية، ومثلوا بين يدى السلطان أحسن إليهم وأكرمهم، وأجلسهم فى مجلسه، وأدوا الرسالة، فكان مضمونها طلب الصلح، والحلف على ذلك، فحلف لهم السلطان/ (٥٩) .
وكان الأمير سيف الدين أيتمش المحمدى لما توجه فى الرسالة إلى الملك أبى سعيد حلفه أيضا على انتظام الصلح، وإطفاء نايرة الحرب، وكف الغارات من الجهتين، وأحضر الرسل معهم هدية من جهة الملك إلى السلطان حياصتين وقماشا، فقبل السلطان تقدمتهم، وذكروا أن التقادم واصلة صحبة تاجر الملك أبى سعيد، فأقبل السلطان عليهم، وأنزلهم برواق بدار النيابة بقلعة الجبل، ورتب لهم الرواتب الوافرة من المأكل والحلويات والفواكه وأنواع الأشربة المباحة وغير ذلك، ثم أحضرهم يوم الخميس وخلع عليهم؛ فخلع على المشار إليه منهم أطلسا معدنيا بطرززركش، وحياصة وكلّوتة وسيفا محلى بالذهب، وخلع على الاثنين [الآخرين] طردوحش مقصبا بذهب وحوايص وكلّوتات، وخلع على من معهم من الأتباع والكبلجية والغلمان ما يناسبهم.
ولما كان فى يوم السبت تاسع عشر جمادى الآخرة أمر السلطان بركوبهم بين يديه إلى الميدان، وأنعم عليهم بثلاثة أرؤس خيل، فركبوا فى خدمته