للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

/ (٢٦٨) الطريق نزل بمنزلة، ولبس لأمة حربه هو ومن يعتمد عليه من ألزامه ومماليكه، وقال لمن معه من العسكر: أنا متوجه إلى الديار المصرية، فمن أحب أن يصحبنى فليعتزل العسكر، ومن أحب الرجوع إلى بلاد الروم فليرجع، ومن أحب القتال فليبرز للحرب، فما جسر أحد منهم علي قتاله، ولا أقدم على حربه، بل ترجّلوا وخدموه [١] ، ورجعوا إلى بلادهم، وتقدم هو إلى الشام فى نحو ستمائة فارس، فكان وصوله إلى دمشق فى يوم الأحد خامس عشرين صفر سنة ثمان وعشرين وسبعمائة فتلقّاه نائب السلطنة بها الأمير سيف الدين تنكز [٢] وأكرمه وجهّزه إلى الديار المصرية، فوصل إلى خدمة السلطان، والسلطان بمنزلة أوسيم من الأعمال الجيزية فى ليلة الخميس المسفرة عن سابع عشر شهر ربيع الأول، ومثل بين يدي السلطان فى بكرة نهار الخميس المذكور، فأكرمه السلطان، وأحسن إليه، وأنعم عليه بتشريف أطلس معدلى [٣] بطرززركش وكلّوته زركش، وشاش رقيم وحياصه ذهب مجوهرة على عادة نواب السلطنة الشريفة، وحضر فى خدمة السلطان فى بقية نهار الخميس إلى قلعة الجبل المحروسة، وأسكنه السلطان بالقلعة بدار كان يسكنها خاصّ ترك [٤] الناصرى، ثم رسم بتجديد عمارة دارين بقلعة الجبل وإصلاحهما، فأصلحا، وأسكنه بهما هو ومن معه من الأمراء أصحابه، ووكّل السلطان بخدمته وملازمته وقضاء حاجته الأمير سيف الدين طرغاى [٥] الجاشنكير،/ (٢٦٩) وأنعم السلطان عليه بالأموال والأقمشة والخيول، ورتب له ولمن معه الرواتب المتوفرة، فرتب له في كل يوم من اللحم ثلاثمائة وأربعين رطلا، وغير ذلك مما يحتاج إليه.

وركب في يوم الاثنين حادى عشر الشهر في الموكب بالأقبية الإسلامية [٦] والكلّوتة والشاش على عادة العساكر المصرية، وحضر إلى


[١] يرد هذا الفعل كثيرا فى أسلوب مؤرخى هذه الفترة مرادا به أداء التحية وإظهار الولاء والخضوع.
[٢] الضبط عن القلقشندى (صبح الأعشى ٥: ٤٢٥) وأصل لفظه تركى ومعناه: البحر، وفى النجوم (٩/٩٣) جرى ضبطه بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه.
[٣] فى أ، ص ٢٦٨ معدنى.
[٤] الضبط من النجوم (٩/٣٠٤) حيث وردت ترجمته فى وفيات سنة ٧٣٤ هـ. قال: وهو الأمير سيف الدين خاص ترك بن عبد الله الناصرى من خواص مماليك الناصر، وقد صار أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية.
[٥] فى ك طرغية، وما أثبتناه من أ، ص ٢٦٨ والنجوم (٩/٢٧٧) والسلوك (٢/٢٩٤) وذكر أن السلطان جهزه لاستقباله فى غزة واستصحابه فى قدومه إلى القاهرة.
[٦] فى السلوك (٢/٢٩٥ حاشية (١) ورد ما يفهم منه أن هذه التسمية كانت تطلق على القباء العربى تمييزا له من القباء السلارى التترى، وهو البغلطاق.