ونحوه؛ وهو أن رجلا من قريش اشترى جارية مغنّية فنزلت فيه. قال: وهذا وإن لم يصحّ عندى الاحتجاج بسندهم فيلزمهم قبوله لأنهم احتجّوا به فيكون فى حقّ هذا الرجل بعينه.
وقد ورد في الآية تفسير ثالث يلزمهم قبوله على أصلهم، وذكر حديثا رفعه إلى نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما: أنه سمع النبىّ صلّى الله عليه وسلم يقول في قوله عز وجلّ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ)
«اللعب والباطل وتشحّ نفسه أن يتصدّق بدرهم» . قال: وهذا أيضا غير ثابت عندى وإنما أوردت هذين التفسيرين مناقضة لما أوردوه فيما تمسّكوا به.
قال: ولن أركن إلى هذا أبدا ولا أقنع به ولا أحتجّ عليه ولا ألزمهم إياه، بل أقول صحّ عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما إجماع أهل السنّة على أن السنّة تقضى على الكتاب، وأن الكتاب لا يقضى على السنة، وقد جاءت السنّة الصحيحة:
أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم استمع للغناء وأمر باستماعه، وقد أوردنا في ذلك من الأحاديث ما تقدّم إيراده. قال: وجواب ثان يقال لهؤلاء القوم المحتجين بهذه التفاسير: هل علم هؤلاء الصحابة الذين أوردتم أقاويلهم من هذه الآية ما علمه رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو لم يعلمه؟ فإن قالوا: لم يعلمه وعلمه هؤلاء، كان جهلا عظيما بل كفرا. وإن قالوا: علمه، قلنا: نقل إلينا عنه في تفسير هذه الآية مثل ما نقل عن هؤلاء من الصحابة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بحال. ومن المحال أن يكون تفسير قوله عز وجلّ:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ)
هو الغناء، ويقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«أما كان معكنّ لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو» .