ما يستلذّ. فلذّة البصر في المبصرات الجميلة كالخضرة والماء الجارى والوجه الحسن وسائر الألوان الجميلة وهى في مقابلة ما يكره من الألوان الكدرة القبيحة. وللشمّ الروائح الطيّبة وهى في مقابلة الأنتان المستكرهة. وللذّوق الطعوم اللذيذة كالدّسومة والحلاوة والحموضة وهى في مقابلة المرارة والمزازة المستبشعة. وللمسّ لذّة اللين والنعومة والملاسة وهى في مقابلة الخشونة والضّراسة. وللعقل لذّة العلم والمعرفة وهى في مقابلة الجهل والبلادة. فكذلك الأصوات المدركة بالسمع تنقسم إلى مستلذّة كصوت العنادل والمزامير، ومستكرهة كنهيق الحمر وغيرها، فما أظهر قياس هذه الحاسّة ولذّتها على سائر الحواس ولذّاتها.
وأما النصّ فيدلّ على إباحة سماع الصوت الحسن امتنان الله على عباده به إذ قال تعالى:(يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ)
فقيل: هو حسن الصوت. وفي الحديث:
«ما بعث الله نبيّا إلا حسن الصوت» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«لله أشدّ أذنا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته» وفي الحديث فى معرض المدح لداود عليه السّلام: «أنه كان حسن الصوت في النياحة على نفسه وفي تلاوة الزّبور حتى كان يجتمع الإنس والجنّ والوحش والطير لسماع صوته، وكان يحمل من مجلسه أربعمائة جنازة وما يقرب من ذلك في الأوقات» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم في مدح أبى موسى الأشعرىّ:«لقد أعطى مزمارا من مزامير آل داود» وقوله تعالى: (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)
يدل بمفهومه على مدح الصوت الحسن. ولو جاز أن يقال: إنما أبيح ذلك بشرط أن يكون فى القرآن للزمه أن يحرّم سماع صوت العندليب لأنه ليس بقرآن. وإذا جاز سماع صوت غفل لا معنى له، فلم لا يجوز سماع صوت يفهم منه الحكمة والمعانى الصحيحة! وإن من الشعر لحكمة. قال: فهذا نظر في الصوت من حيث إنه طيّب حسن.