الوصول إليه. فإن وجدت الصفة التى بها الشوق ووجد العلم بالمشتاق ووجدت الصفة المشوّقة وحركت قلبك الصفة واشتعلت نارها، أورث ذلك دهشة وحيرة لا محالة. ولو نشأ آدمىّ وحده حيث لم ير صورة النساء ولا عرف صورة الوقاع ثم راهق الحلم وغلبت عليه الشهوة لكان يحسّ من نفسه بنار الشهوة ولا يدرى أنه يشتاق إلى الوقاع لأنه ليس يدرى صورة الوقاع ولا يعرف صورة النساء؛ فكذلك في نفس الآدمىّ مناسبة مع العالم الأعلى واللذّات التى وعد بها في سدرة المنتهى والفراديس العلا، إلا أنه لم يتخيّل من هذه الأمور إلا الصفات والأسماء كالذي يسمع [لفظ «١» ] الوقاع و [اسم «٢» ] النساء ولم يشاهد صورة امرأة قط ولا صورة رجل ولا صورة نفسه في المرآة ليعرف بالمقايسة. فالسماع يحرّك منه الشوق؛ والجهل المفرط والاشتغال بالدنيا قد أنساه نفسه وأنساه ربه وأنساه مستقرّه الذى إليه حنينه واشتياقه بالطبع، فيتقاضاه قلبه أمرا ليس يدرى ما هو فيدهش ويضطرب ويتحيّر ويكون كالمختنق «٣» الذى لا يعرف طريق الخلاص. فهذا وأمثاله من الأحوال التى لا يدرك تمام حقائقها، ولا يمكن المتّصف بها أن يعبّر عنها. فقد ظهر انقسام الوجد إلى ما يمكن إظهاره وإلى ما لا يمكن إظهاره. قال:
واعلم أيضا أنّ الوجد ينقسم إلى هاجم وإلى متكلّف يسمى التواجد. وهذا التواجد المتكلف، فمنه مذموم وهو الذى يقصد به الرياء وإظهار الأحوال الشريفة مع الإفلاس منها؛ ومنه ما هو محمود وهو التوصّل الى الاستدعاء للاحوال الشريفة واكتسابها واجتلابها بالحيلة؛ فإن للكسب مدخلا في جلب الأحوال الشريفة؛ ولذلك أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم من لم يحضره البكاء في قراءة القرآن أن يتباكى ويتحازن،