وروى الأصفهانىّ بسند رفعه إلى ابن كناسة قال: اصطحب شيخ مع شابّ فى سفينة في الفرات ومعهم مغنّية. فلما صاروا في بعض الطريق قالوا للشيخ:
معنا جارية وهى تغنّى، فأحببنا أن نسمع غناءها فهبناك، فإن أذنت فعلنا. فقال:
أنا أصعد على أطلال «١» السفينة، فاصنعوا أنتم ما شئتم؛ فصعد وأخذت المغنّية عودها وغنّت:
حتى إذا الصبح بدا ضوءه ... وغابت الجوزاء والمرزم
أقبلت والوطء خفىّ كما ... ينساب «٢» من مكمنه الأرقم
فطرب الشيخ وصاح، ثم رمى بنفسه وبثيابه في الفرات وجعل يغوص ويطفو ويقول: أنا الأرقم أنا الأرقم! فألقوا أنفسهم خلفه، فبعد لأى ما استخرجوه، وقالوا: يا شيخ، ما حملك على ما فعلت؟ فقال: إليكم عنّى، فإنى أعرف من معانى الشعر ما لا تعرفون. فقالوا له: ما أصابك؟ قال: دبّ من قدمى شىء إلى رأسى كدبيب النّمل ونزل من رأسى مثله، فلما اجتمعا على قلبى عملت ما عملت.
وقال أحمد بن أبى داود: كنت أعيب الغناء وأطعن على أهله؛ فخرج المعتصم يوما إلى الشّمّاسيّة في حرّاقة، ووجّه في طلبى فصرت إليه. فلما قربت منه سمعت غناء حيّرنى وشغلنى عن كلّ شىء، فسقط سوطى عن يدى، فالتفتّ إلى غلامى أطلب منه سوطا؛ فقال لى: قد والله سقط منّى سوطى. فقلت له: أىّ شىء كان سبب سقوطه؟ قال: صوت سمعته فحيّرنى، فما علمت كيف سقط، فإذا قصّته قصّتى. قال: وكنت أنكر أمر الطرب على الغناء وما يستفزّ الناس منه