قال أبو الفرج الأصفهانىّ بسند رفعه إلى إسحاق بن إبراهيم قال:
كان إبراهيم بن المهدىّ أشدّ خلق الله إعظاما للغناء وأحرصهم عليه وأشدّهم منافسة فيه. قال: وكانت صنعته ليّنة فكان إذا صنع شيئا نسبه إلى غيره لئلا يقع عليه طعن أو تقريع فقلّت صنعته في أيدى الناس مع كثرتها. وكان إذا قيل له فيها شىء يقول: إنما أصنع تطرّبا لا تكسّبا وأغنّى لنفسى لا للناس فأعمل ما أشتهى.
قال: وكان حسن صوته يستر عوار ذلك. وكان الناس يقولون: لم ير في جاهليّة ولا إسلام أخ وأخت أحسن غناء من إبراهيم بن المهدىّ وأخته عليّة. وكان إبراهيم يجادل إسحاق ويأخذ عليه في مواطن كثيرة إلّا أنه كان لا يقوم له «١» ويظهر إسحاق خطأه. ووقع بينهما في ذلك بين يدى الرشيد وفي مجلسه كلام كثير أفضى إلى أمور نذكرها إن شاء الله تعالى في أخبار إسحاق بن إبراهيم.
وكان إبراهيم بن المهدىّ في أوّل أمره يتستّر في الغناء بعض التستّر إلا أنه يذكره فى مجلس الرشيد أخيه. فلما كان من أمره في الوثوب على الخلافة ما نذكره إن شاء الله تعالى في أخبار الدولة العباسيّة عند ذكرنا لخلافة المأمون بن الرشيد، ثم [لما «٢» ] أمّته المأمون بعد هربه منه تهتّك بالغناء ومشى مع المغنّين ليلا إذا خرجوا من عند المأمون، وإنما أراد المأمون بذلك ليظهر للناس أنه قد خلع ربقة الخلافة من عنقه وأنه تهتّك فلا يصلح للخلافة. وكان من أعلم الناس بالنغم والوتر والإيقاعات وأطبعهم فى الغناء وأحسنهم صوتا. وكان مع علمه وطبعه ومعرفته يقصّر عن الغناء القديم وعن أن ينحوه في صنعته. فكان يحذف نغم الأغانى الكثيرة العمل حذفا شديدا