قال: سوءة لهذا من فعل! أبعد [هذه «١» ] السنّ وهذا المحلّ تصنع «٢» بنفسك ما أرى! فخجل أبو دلف وتشوّر «٣» وقال: إنهم ليكرهونى على ذلك. فقال: هبهم أكرهوك على الغناء أهم أكرهوك على الإحسان فيه والإصابة!.
قال: وكان أبو دلف ينادم الواثق. فوصف للمعتصم فأحبّ أن يسمعه، وسأل الواثق عنه فقال له: يا أمير المؤمنين، أنا على نيّة الفصد غدا وهو عندى. وفصد الواثق فأتاه أبو دلف وأتته رسل الخليفة بالهدايا؛ فأعلمهم الواثق حصول أبى دلف عنده.
فلم يلبث أن أقبل الخدم يقولون: قد جاء الخليفة. فقام الواثق وكلّ من كان عنده حتى تلقّوه؛ وجاء حتى جلس، وأمر بندماء الواثق فردّوا إلى مجالسهم. وأقبل الواثق على أبى دلف فقال: يا قاسم، غنّ أمير المؤمنين. فقال: صوتا بعينه أو ما اخترت؟ قال: بل من صنعتك في شعر جرير. فغنّى:
بان الخليط برامتين فودّعوا ... أو كلّما اعتزموا لبين تجزع
كيف العزاء ولم أجد مذ غبتم ... قلبا يقرّ ولا شرابا ينقع
فقال المعتصم: أحسن أحسن- ثلاثا- وشرب رطلا. ولم يزل يستعيده حتى شرب تسعة أرطال. ثم دعا بحمار فركبه، وأمر أبا دلف أن ينصرف معه؛ فخرج معه فثبّت في ندمائه، وأمر له بعشرين ألف دينار.
قال: وكان أبو دلف جوادا ممدّحا. وفيه يقول علىّ بن جبلة من قصيدة بقول فيها: