للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مثل هذه الساعة؟ قال نعم؛ فأذنت له فدخل. فقال للأسودين: احفرا هاهنا بئرا. فقالت له جاريتها: وما تصنع بالبئر؟ قال: شؤم مولاتك، أمرنى هذا الظالم أن أدفنها حيّة، وهو أسفك خلق الله لدم حرام. قالت عائشة: فأنظرنى أذهب اليه؛ قال: هيهات لا سبيل إلى ذلك، وقال للأسودين: احفرا. فلما رأت الجدّ منه بكت وقالت: يابن أبى فروة، إنك لقاتلى ما منه بدّ؟ قال: نعم، وإنى لأعلم أن الله عزّوجلّ سيخزيه بعدك، ولكنّه قد غضب وهو كافر الغضب. قالت:

وفي أى شىء غضبه؟ قال: من امتناعك عليه وقد ظنّ أنك تبغضينه وتتطلّعين إلى غيره، فقد جنّ. فقالت: أنشدك الله إلّا عاودته. قال: أخاف أن يقتلنى؛ فبكت وبكى جواريها. فقال لها: قد رققت لك وحلف لها إنه يغرّر بنفسه، وقال لها:

فما أقول؟ قالت: تضمن له عنّى أنى لا أعود أبدا. قال: فمالى عندك؟ قالت:

قيام بحقّك ما عشت. قال: فأعطينى المواثيق فأعطته. فقال للأسودين: مكانكما.

وأتى مصعبا فأخبره. فقال: استوثق منها بالأيمان؛ فاستوثق منها ففعلت، وصلحت بعد ذلك لمصعب.

قال: وكان مصعب من أشدّ الناس إعجابا بها. ولم يكن لها شبيه في زمانها حسنا وديانة «١» وجمالا وهيئة وشارة وعفّة. وإنها دعت يوما نسوة من قريش، فلما جئنها أجلستهن في مجلس قد نضد فيه الريحان والفواكه والطّيب والمجامر، وخلعت على كلّ امرأة منهن خلعة من الوشى والحزّ ونحو ذلك، ودعت عزّة الميلاء ففعلت بها مثل ذلك وأضعفته؛ ثم قالت لعزّة: هات يا عزّة فغنّينا. فغنّتهن في شعر امرىء القيس فقالت:

وثغر أغرّ شنيب اللّثات ... لذيذ المقبّل والمبتسم