للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمثلى يكلّم بهذا في الطريق! قال: فما أصنع؟ قال: الحقنى بالباب. وحرّك ابن عائشة بغلته لينقطع عنه، فعدا معه حتى وافيا الباب كفرسى رهان. ودخل ابن عائشة فمكث طويلا طمعا ان يضجر فينصرف، فلم يفعل حتى أعياه. فقال لغلامه:

أدخله، فلما دخل، قال له: ويلك! من أين صبّك الله علىّ! قال: أنا رجل من أهل وادى القرى أشتهى هذا الغناء. فقال له: هل لك فيما هو أنفع لك منه؟ قال:

وما ذاك؟ قال: مائتا دينار وعشرة أثواب تنصرف بها الى أهلك. فقال له: جعلت فداءك! والله إن لى بنيّة ما في أذنها- علم الله- حلقة من الورق فضلا عن الذهب، وإن لى زوجة ما عليها- شهد الله- قميص، ولو أعطيتنى جميع ما أمر لك به أمير المؤمنين على هذه الحالة والفقر اللّذين عرّفتكهما وأضعفت لى هذا لكان الصوت أعجب إلىّ. فتعجّب ابن عائشة وغنّاه الصوت، فجعل يحرّك رأسه ويطرب له طربا شديدا حتى ظنّ أن عنقه ستنقصف؛ ثم خرج من عنده ولم يرزأه شيئا. وبلغ الخبر الوليد بن يزيد، فسأل ابن عائشة عنه، فجعل يغيب عن الحديث؛ فلم يزل به حتى صدقه الحديث، فطلب الرجل، فطلب حتى أحضر إليه ووصله صلة سنيّة وجعله من ندمائه ووكلّه بالسّقى؛ فلم يزل معه حتى قتل رحمه الله.

وعن علىّ بن الجهم الشاعر قال: حدّثنى رجل أن ابن عائشة كان واقفا بالموسم مهجّرا «١» فمرّ به بعض أصحابه فقال: ما يقيمك هاهنا؟ قال: إنى أعرف رجلا لو تكلم لحبس الناس هاهنا فلم يذهب أحد ولم يجئ. فقال له الرجل: ومن ذاك؟ قال: أنا؛ ثم اندفع يغنّى:

جرت سنحا فقلت لها أجيزى ... نوى مشمولة فمتى اللّقاء

بنفسى من تذكّره سقام ... أعانيه ومطلبه عناء