وحكى أنه دخل على الهادى فغنّاه فلم يعجبه؛ فقال له الفضل: تركت الخفيف وغنّيت الثقيل. قال: فأدخلنى عليه أخرى فأدخله؛ فغنّاه الخفيف، فأعطاه ثلاثين ألف دينار. قال أحمد بن يحيى المكىّ: كان ابن جامع أحسن ما يكون غناء إذا حزن. وأحبّ الرشيد أن يسمع ذلك، فقال للفضل بن الربيع: ابعث بخريطة فيها نعى أمّ ابن جامع- وكان برّا بأمّه- ففعل. فقال الرشيد: يابن جامع، فى هذه الخريطة نعى أمّك؛ فاندفع ابن جامع يغنّى بتلك الحرقة والحزن الذى فى قلبه:
كم «١» بالدروب وأرض السّند من قدم ... ومن جماجم صرعى ما بها قبروا
بقندهار «٢» ومن تكتب منيّته ... بقندهار يرجّم دونه الخبر
قال: فو الله ما ملكنا أنفسنا، ورأيت الغلمان يضربون برءوسهم الحيطان والأساطين، وأمر له الرشيد بعشرة آلاف دينار.
وروى أبو الفرج بسنده إلى عبد الله بن علىّ بن عيسى بن ماهان قال: سمعت يزيد يحدّث عن أمّ جعفر أنه بلغها أنّ الرشيد جالس وحده وليس معه أحد من الندماء ولا المسامرين، فأرسلت إليه: يا أمير المؤمنين، إنّى لم أرك منذ ثلاث وهذا اليوم الرابع. فأرسل إليها: عندى ابن جامع. فأرسلت إليه: أنت تعلم أنى لا أتهنّأ بشرب ولا سماع ولا غيرهما إلا أن تشركنى فيه، ما كان عليك أن أشركك فى هذا الذى أنت فيه! فأرسل إليها: إنى صائر إليك الساعة. ثم قام وأخذ بيد ابن جامع وقال للخادم: امض إليها واعلمها أنّى قد جئت. وأقبل الرشيد؛ فلما نظر