إلا من وراء الستارة إلا فليح فإن الستارة كانت ترفع بينه وبين المهدىّ. وهو أوّل مغنّ نظر وجه المهدىّ.
وروى أبو الفرج الأصفهانىّ عن يوسف بن إبراهيم عن إبراهيم بن المهدىّ قال: كتب إلىّ جعفر بن يحيى وأنا عامل الرشيد على [جند «١» ] دمشق: قد قدم علينا فليح بن أبى العوراء، فأفسد علينا بأهزاجه وخفيفه كلّ غناء سمعناه قبله. وأنا محتال لك في تخليصه إليك لتسمع منه كما أسمعنا. فلم ألبث أن ورد على فليح بكتاب الرشيد يأمر له بثلاثة آلاف دينار؛ فورد علىّ منه رجل أذكرنى لقاؤه الناس وأخبرنى أنه قد ناهز المائة. فأقام عندى ثلاث سنين، وأخذ جوارى عنه كلّ ما كان معه من الغناء، وانتشر بعض غنائه بدمشق.
وروى أيضا بسنده إلى أحمد بن يحيى المكّىّ عن فليح بن أبى العوراء قال:
كان بالمدينة فتى يعشق ابنة عمّ له، فوعدته أنها تزوره؛ وشكا إلىّ أنها تأتيه ولا شىء عنده؛ فأعطيته دينارا للنفقة. فلما زارته قالت له: من يلهينا؟ قال:
صديق لى، ووصفنى لها؛ ودعانى فأتيته؛ وكان أوّل ما غنّيته:
من الخفرات لم تفضح أخاها ... ولم ترفع لوالدها شنارا
فقامت إلى ثوبها فلبسته لتنصرف. فتعلّق بها وجهد كلّ الجهد في أن تقيم فم تفعل وانصرفت. فأقبل يلومنى في أن غنّيتها ذلك الصوت. فقلت: والله ما هو شىء اعتمدت به مساءتك ولكنّه شىء اتّفق. قال: فلم نبرح حتى عاد رسولها ومعه صرّة فيها ألف دينار، فدفعها إلى الفتى وقال: تقول لك ابنة عمّك: هذا مهرى، فادفعه إلى أبى واخطينى، ففعل وتزوّجها.