وخرج الناس وخرجت مع إخوانى اليه، فجلسنا مجلسنا الأوّل بعينه، فما كنا والنسوة إلا كفرسى رهان؛ فأومأت إلى ظئرى فجلست، وأقبلت على إخوانى فقلت: لقد أحسن القائل:
رمتنى بسهم أقصد القلب وانثنت ... وقد غادرت جرحا به وندوبا
فأقبلت على صواحباتها وقالت: أحسن والله القائل، وأحسن من أجابه حيث يقول:
بنا مثل ما تشكو فصبرا لعلنّا ... نرى فرجا يشفى السّقام قريبا
فسكتّ عن الجواب خوفا من أن يظهر منى ما يفضحنى وإياها، وعرفت ما أرادت. ثم تفرّق الناس وانصرفنا، وتبعتها ظئرى حتى عرفت منزلها، وصارت إلىّ فأخذت بيدى ومضينا إليها، فلم نزل نتلطّف حتى وصلت إليها، فتلاقينا وتزاورنا على حال مخالسة ومراقبة، حتى شاع حديثى وحديثها وظهر ما بينى وبينها، فحجبها أهلها وسدّوا أبوابها؛ فما زلت أجهد فى لقائها فلا أقدر عليه، وشكوت ذلك إلى أبى لشدّة ما نالنى وسألته خطبتها لى. فمضى أبى ومشيخة أهلى إلى أبيها فحطبوها؛ فقال:
لو كان بدأ بهذا قبل أن يفضحها ويشهرها لأسعفته بما التمس، ولكنه قد فضحها فلم أكن لأحقّق قول الناس فيها بتزويجه إياها؛ فانصرفت على يأس منها ومن نفسى.
قال معبد: فسألته أن ينزل بجوارى، وصارت بيننا عشرة. ثم جلس جعفر بن يحيى ليشرب فأتيته، فكان أوّل صوت غنيّته صوتى فى شعر الفتى، فشرب وطرب عليه طربا شديدا، وقال: ويحك! إن لهذا الصوت حديثا فما هو؟ فحدّثته، فأمر بإحضار الفتى فأحضر من وقته، واستعاده الحديث فأعاده؛ فقال: هى فى ذمتى حتى أزوّجك إياها؛ فطابت نفسه وأقام معنا ليلتنا حتى أصبح، وغدا جعفر إلى الرشيد فحدّثه الحديث، فعجب منه وأمر بإحضارنا جميعا فأحضرنا، وأمر بأن أغنيّه الصوت