للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: [يا كلب [١]] بلغ من أمرك أنك تجسر على أن تتعلّم الغناء بغير إذنى! ثم زاد ذلك حتى صنعت، ولم تقنع بهذا حتى ألقيت صنعتك على الجوارى فى دارى، ثم تجاوزهن إلى جوارى الحارث بن بسخنّر، فاشتهرت، وبلغ أمير المؤمنين فتنكّر لى ولا منى، وفضحت آباءك فى قبورهم وسقطت للأبد إلا من المغنّين! فبكيت مما جرى علىّ وعلمت أنه صدقنى؛ فرحمنى وضمّنى إليه وقال: قد صارت الآن مصيبتى فى أبيك مصيبتين، إحداهما به وقد مضى وفات، والأخرى بك وهى موصولة بحياتى، ومصيبة [٢] باقية العار علىّ وعلى أهلى بعدى، وبكى وقال: عزّ علىّ يا بنىّ أنّى أراك أبدا ما بقيت على غير ما أحبّ؛ وليست لى فى هذا الأمر حيلة لإنه أمر قد خرج عن يدى. وقال: جئنى بعود حتى أسمعك وأنظر كيف أنت، فإن كنت تصلح للخدمة فى هذه الفضيحة وإلا جئت بك منفردا وعرّفته خبرك واستعفيته لك.

فأتيت بعود وغنّيته غناء قديما؛ فقال: لا، بل صوتيك اللذين صنعتهما، فغنيّته إياهما، فاستحسنهما وبكى، ثم قال: بطلت والله يا بنىّ وخاب أملى فيك. فوا حزنا عليك وعلى أبيك! فقلت: ليتنى متّ قبل ما أنكرته أو أخرست! ومالى حيلة! لكنى وحياتك يا سيّدى- وإلا فعلىّ عهد الله وميثاقه والعتق والطلاق وكل يمين يحلف بها [حالف [٣]] لازمة [لى [٣]]- لا غنيّت أبدا إلا لخليفة أو ولىّ عهد. فقال:

قد أحسنت فيما نبهت [٤] عليه من هذا. فركب وأمر بى فأحضرت، ووقفت بين يدى الرشيد وأنا أرعد؛ فاستدعانى واستدنانى حتى صرت أقرب الجماعة إليه، ومازحنى


[١] زيادة عن الأغانى.
[٢] فى الأغانى: مصيبته، ولعلها: مصيبتك.
[٣] زيادة عن الأغانى.
[٤] الذى فى أساس البلاغة: «تنبهت على الأمر: تفطنت له» .