الناس. فلما نزلت سقاية سليمان بن عبد الملك قالت للرّسل: إنّ لى قوما كانوا يغشوننى ويسلّمون علىّ، ولا بدّ لى من وداعهم والسلام عليهم؛ فأذن للناس عليها، فأتوا حتى ملؤا رحبة القصر والفناء؛ ووقفت هى بينهم بارزة ومعها العود فغنّت:
فارقونى وقد علمت يقينا ... ما لمن ذاق ميتة من إياب
إنّ أهل الحصاب قد تركونى ... موزعا مولعا بأهل الحصاب
أهل بيت تتايعوا [١] للمنايا ... ما على الدّهر بعدهم من عتاب
كم بذاك الحجون من حىّ صدق ... من كهول أعفّة وشباب
سكنوا الجزع جزع بيت أبى مو ... سى إلى النخل من صفىّ السّباب
فلى الويل بعدهم وعليهم ... صرت فردا وملّنى أصحابى
قال: فلم تزل تردّد هذا الصوت حتى راحت، وانتحب الناس بالبكاء عند ركوبها؛ فما شئت أن ترى باكيا نبيلا إلا رأيته.
قالوا: وكانت حبابة عند يزيد متقدّمة على سلّامة، وكانت حبابة تنظر الى سلّامة بتلك العين الجليلة المتقدّمة وتعرف فضلها عليها؛ فلما رأت أثرة يزيد لها ومحبّته إيّاها استخفّت بها. فقالت لها سلّامة: أى أخيّة، نسيت فضلى عليك! ويلك! أين تأديب الغناء! أين حق التعليم! أنسيت قول جميلة لك وهى تطارحنا:
خذى إحكام ما أطارحك من أختك سلّامة، فلا تزالين بخير ما بقيت لك وكان أمركما مؤتلفا!. فقالت: صدقت والله لا عدت لشىء تكرهينه أبدا. وماتت حبابة وعاشت سلّامة بعدها دهرا.
[١] كذا فى ديوانه والأغانى ج ١ ص ٣٢١ طبع دار الكتب المصرية. وفى الأصول: «تتابعوا» بالباء الموحدة.