للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ائذن له. فلما استقبلها طفر ثم أقعى بين يديها، فوجدت والله له، ورأيت أثر ذلك، وتنوّقت تنوّقا [١] خلاف ما كانت تفعل بنا. فأدخل يده فى ثوبه فأخرج لؤلؤتين فقال:

انظرى يا زرقاء، جعلت فداك! ثم حلف أنه نقد فيهما بالأمس أربعين ألف درهم.

قالت: فما أصنع بك؟ قال: أردت أن تعلمى. فغنّت صوتا ثم قالت: يا ماجن هبهما لى! قال: إن شئت والله فعلت. قالت: قد شئت. قال: فاليمين التى حلفت بها لازمة [لى [٢]] إن أخذتهما إلا بشفتيك من شفتىّ. فقال ابن رامين للغلام:

ضع لى ماء ثم خرج عنا؛ فقالت: هاتهما. فمشى على ركبتيه وكفّيه وهما بين شفتيه وقال: هاك؛ فلما ذهبت تتناولهما جعل يصدّ عنها يمينا وشمالا ليستكثر منها؛ فغمزت جارية على رأسها، فخرجت كأنها تريد حاجة ثم عطفت عليه؛ فلما دنا وذهب ليروغ دفعت منكبيه وأمسكتهما حتى أخذت الزرقاء اللؤلؤتين بشفتيها من فمه ورشح جبينها عرقا حياء منا. ثم تجلّدت علينا فأقبلت عليه [٣] وقالت: المغبون فى استه عود.

فقال: فأمّا أنا فلا أبالى، والله لا يزال طيب هذه الرائحة فى أنفى وفى ما حييت.

قال: واجتمع عند ابن رامين معن بن زائدة وروح بن حاتم وابن المقفّع. فلما تغنّت الزّرقاء وسعدة بعث معن فجىء ببدرة فصبّها بين يديها، وبعث روح فجىء ببدرة فصبّها بين يديها، ولم تكن عند ابن المقفّع دراهم، فبعث فجاء بصكّ ضيعة، وقال: هذه عهدة ضيعتى خذيها، فأمّا الدراهم فما عندى منها شىء. وشربت زرقاء دواء فأهدى لها ابن المقفّع ألف درّاجة [٤] .

وعن إسحاق بن إبراهيم قال: كان روح بن حاتم بن المهلّب كثير الغشيان لمنزل ابن رامين، وكان يختلف إلى الزّرقاء، وكان محمد بن جميل يهواها وتهواه؛ فقال لها:


[١] تنوق فى الأمر: تأنق فيه.
[٢] زيادة عن الأغانى.
[٣] كذا فى الأغانى. وفى الأصل: «علينا» .
[٤] نوع من الطيور.