وقال عمر بن شبّة: إنّ دنانير أصابتها العلّة الكلبية فكانت لا تصبر عن الطعام ساعة واحدة، وكان يحيى يتصدّق عنها فى كل يوم من شهر رمضان بألف دينار لأنها كانت لا تصومه. وبقيت عند البرامكة مدّة طويلة.
وقال إسحاق وأحمد بن الطيّب: إنّ الرشيد دعا بدنانير بعد البرامكة، فأمرها أن تغنّى. فقالت: يا أمير المؤمنين، إنى آليت ألّا أغنّى بعد سيّدى أبدا. فغضب وأمر بصفعها فصفعت، وأقيمت على رجليها وأعطيت العود؛ فأخذته وهى تبكى أحرّ بكاء، واندفعت فغنّت:
يا دار سلمى بنازح السّند ... من الثّنايا ومسقط اللّبد
لمّا رأيت الديار قد درست ... أيقنت أنّ النعيم لم يعد
قال: فرقّ لها الرشيد، وأمر بإطلاقها، فانصرفت.
وقال أبو عبد الله بن حمدون: إنّ عقيدا مولى صالح بن الرشيد خطب دنانير وشغف بها فردّته؛ فاستشفع إليها بمولاه صالح بن الرشيد وببذل والحسن بن محرز فلم تجب، وأقامت على الوفاء لمولاها. فكتب اليها عقيد:
يا دنانير قد تنكّر عقلى ... وتحيّرت بين وعد ومطل
شغفى شافعى إليك وإلّا ... فاقتلينى إن كنت تهوين قتلى
أنا بالله والأمير وما آ ... مل من موعد الحسين وبذل
ما أحبّ الحياة يا حبّ إن لم ... يجمع الله عاجلا بك شملى
فلم يعطفها ذلك عليه، ولم تزل على حالها حتى ماتت. ولعقيد هذا فيها أشعار فيها غناء. وكان عقيد حسن الغناء؛ وله فيها أصوات؛ منها قوله:
هذى دنانير تنسانى وأذكرها ... وكيف تنسى محبّا ليس ينساها
أعوذ بالله من هجران جارية ... أصبحت من حبّها أهذى بذكراها