وكان جملة ما يعتقدونه من الدّين تعظيم الأشهر الحرم الأربعة، وكانوا يتحرّجون فيها من القتال. وكانت قبائل منهم يستبيحونها فإذا قاتلوا فى شهر حرام، حرموا مكانه شهرا من أشهر الحلّ، ويقولون نسئ الشهر.
وحكى ابن إسحاق صاحب السيرة النبوية (على صاحبها أفضل الصلاة والسلام) أن أوّل من نسأ الشهور على العرب، وأحلّ منها ما أحلّ، وحرّم ما حرّم، القلمّس.
وهو حذيفة بن فقيم بن عامر بن الحرث بن مالك بن كنانة بن خزيمة.
ثم قام بعده ولده عباد، ثم قام بعد عباد ابنه قلع، ثم قام بعد قلع ابنه أمية، ثم قام بعد أمية ابنه عوف، ثم قام بعد عوف ابنه أبو ثمامة جنادة، وعليه ظهر الإسلام.
فكانت العرب إذا فرغت من حجها، اجتمعت عليه بمنى، فقام فيها على جمل، وقال بأعلى صوته: «اللهم إنى لا أخاف ولا [١] أعاف، ولا مردّ لما قضيت! اللهم إنى أحللت شهر كذا (ويذكر شهرا من الأشهر الحرم، وقع اتفاقهم على شنّ الغارات فيه) وأنسأته إلى العام القابل (أى أخرت تحريمه) وحرمت مكانه شهر كذا من الأشهر البواقى!» وكانوا يحلون ما أحلّ، ويحرّمون ما حرّم.
وفى ذلك يقول عمرو بن قيس بن جذل الطّعان، من أبيات يفتخر:
ألسنا الناسئين على معدّ ... شهور الحلّ، نجعلها حراما؟
وحكى السهيلىّ فى كتابه المترجم «بالروض الأنف» أن نسىء العرب كان على ضربين: أحدهما تأخير المحرّم إلى صفر لحاجاتهم إلى شنّ الغارات وطلب الثأر، والثانى تأخير الحج عن وقته تحرّيا منهم للسنة الشمسية. فكانوا يؤخرونه فى كل عام
[١] فى اللسان: «أنا الذى لا أعاب ولا أجاب ولا يرد لى قضاء» .