الأرض صعيد؛ وأسرى منه ركائب السرور إلى الأقطار ففى كلّ ناد من هديره حاد وفى كل برّ من بروره بريد، وذكّر بإحياء الأرض بعد موتها إحياء أمواتها، إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
، ونشر ألويته على الثّرى لأهل الأرض بشرا بين يدى رحمته، وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ
؛ وأقبل بعد نقص عامه الماضى بوجه عليه حمرة الخجل، وعزم سبق سيفه إلى المحل العذل بل الأجل، وحزم أدرك الجدب بوجه قبل أن يقول: سآوى إلى جبل، واستظهار على كلّ ما علا من الأرض حتى إن الهرمين باتا منه على وجل؛ ومهّد الأرض التى كانت ترقبه فهو لها المنتظر على الحقيقه، ووطئ بطن القرى فنتج الخصب بينهما وذبح المحل فى العقيقه؛ وقطع الطّرق فآمن بذلك كلّ حاضر وباد ورائح وغاد، واتّبعه الرّىّ لا الرّوىّ حتى أضحى كالشعراء يهيم فى كل واد؛ وعمت بركاته على الأرض «فتركن كل قرارة كالدرهم» من الخصب مرتعا، وأربى على ريّه فيما [١] سلف من السنين، فأضحى كهوى ابن أبى ربيعة «يقيس ذراعا كلما قسن إصبعا» ؛ وتجعّد على الآكام فخيّل للعيون أنها تسيل، وشيّب مفارق الرّبا ببياض زبده، وعادة بياض الشيب أن يخضب بورق النيل. وكأنّ ما بقى من المحل قد جعل بينه وبينه سدّا، وتستّر منه ورآه وهو يملى ويعدّ له عدّا؛ فصدمه بقلبه وجعله دكّا إذ جاء أمر ربه وأدركه وملكه، وسفك دمه فجرى مستطيلا إذ سفكه؛ ووفى بما وعد من ظفره، وأتى لنصرة الخصب من مكان بعيد فأسفر عن النّجح وجه سفره، وأسبل على مقياسه ستر السرور لإخفاره ذمّة الجدب لا لخفره، وبشّر مصره بنصرة سرايا السحائب
[١] فى الأصل: «وأربى على ريه ما سلف من السنين» وظاهر أنه غير مستقيم. ويجوز أن يكون الأصل: «وأربى ريه على ما سلف» فحدث فيه تقديم وتأخير من الناسخ.