كحال أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه لمّا قيل له فى مرض موته: لو دعونا لك طبيبا! فقال: الطبيب نظر إلىّ وقال إنّى فعّال لما أريد. وكان رضى الله عنه من المكاشفين؛ والدليل على ذلك أنّه قال لعائشة رضى الله عنها فى أمر الميراث: إنما هنّ أختاك؛ وما كان لها إلا أخت واحدة وكانت امرأته حاملا فولدت أنثى؛ فلا يبعد أن يكون كوشف بانتهاء أجله؛ ومحال أن ينكر التداوى وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله.
الثانى: أن يكون المريض مشغولا بحاله وبخوف عاقبته واطّلاع الله تعالى عليه، فينسيه ذلك ألم المرض فلا يتفرّغ قلبه للتداوى شغلا بحاله، كحال أبى ذرّ لمّا رمدت عيناه، فقيل له: لو داويتهما! فقال: إنّى عنهما مشغول. فقيل له: لو سألت الله أن يعافيك! فقال: أسأل فيما هو أهمّ علىّ منهما. وكحال أبى الدرداء فإنه قيل له فى مرضه: ما تشتكى؟ قال: ذنوبى. قيل: فما تشتهى؟ قال: مغفرة ربى. قالوا:
ألا ندعو لك طبيبا؟ قال: الطبيب أمرضنى. ويكون حال هذا كالمصاب بموت عزيز من أحبابه أو كالخائف من ملك فيشغله ذلك عن ألم الجوع.
الثالث: أن تكون العلّة مزمنة والدواء الذى يؤمر به بالإضافة إلى علّته موهوم كالكىّ والرقية، فتركه للتوكّل كالربيع بن خيثم فإنه أصابه فالج، فقيل له: لو تداويت! فقال: لقد هممت ثم ذكرت عادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا وكان فيهم الإطبّاء فهلك المداوى والمداوى ولم تغن الرّقى شيئا. أى إن الدواء غير موثوق به.
الرابع: أن يقصد العبد ترك التداوى استيفاء للمرض لينال ثواب المرض بحسن الصبر على بلاء الله تعالى وليجرّب نفسه فى القدرة على الصبر.
الخامس: أن يكون العبد قد سبق له ذنوب وهو خائف منها عاجز عن تكفيرها فيرى المرض إذا طال تكفيرا، وترك التداوى خوفا من أن يسرع زوال