للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لطفا تعاهدهم به وإن قلّ، فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك، وحسن الظن بك.

ولا تدع تفقّد لطيف أمورهم اتّكالا على جسيمها، فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به، وللجسيم موقعا لا يستغنون عنه. وليكن آثر رءوس جندك عندك من واساهم فى معونته وأفضل عليهم من جدته بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم حتى يكون همّهم همّا واحدا فى جهاد العدوّ، فإنّ عطفك عليهم يعطّف عليك قلوبهم؛ [وإنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل فى البلاد وظهور مودّة الرعيّة؛ وإنه لا تظهر مودّتهم إلا بسلامة صدرهم] ، ولا تصحّ نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة أمورهم وقلّة استثقال دولهم وترك استبطاء انقطاع مدّتهم، فافسح فى آمالهم [١] وواصل فى حسن الثناء عليهم وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم، فإن كثرة الذّكر لحسن فعالهم تهزّ الشجاع وتحرّض الجبان إن شاء الله. ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى.

ولا تضمّنّ [بلاء] امرئ الى غيره، ولا تقصّرنّ به دون غاية بلائه. ولا يدعونّك شرف امرئ الى أن تعظّم من بلائه ما كان صغيرا، ولا ضعة امرئ الى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما. واردد الى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور؛ فقد قال الله تعالى لقوم أحبّ إرشادهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ

؛ فالرادّ الى الله هو الآخذ بمحكم كتابه، والرادّ الى الرسول الآخذ بسنّته الجامعة غير المتفرّقة.

ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك فى نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه [٢] الخصوم، ولا يتمادى فى الزّلّة، ولا يحصر [٣] من الفىء الى الحق إذا عرفه، ولا تشرف [نفسه] على طمع، ولا يكتفى بأدنى فهم دون أقصاه، أوقفهم فى الشّبهات،


[١] كذا فى نهج البلاغة، وفى الأصل «وافسح فى أموالهم ... » .
[٢] أمحكه: أغضبه أو جعله محكان كسكران: عسر الخلق.
[٣] يحصر: يضيق صدره.