وسبب ذلك- على ما نقله المؤرّخون- أنه كان مجاورا للبرجان، فضاق بهم ذرعا من كثرة غاراتهم على بلاده. فهمّ أن يصانعهم ويقرّر لهم عليه إتاوة فى كل عام ليكفّوا عنه. فرأى ليلة فى المنام أن ملائكة نزلت من السماء ومعها أعلام عليها صلبان، فحاربت البرجان فهزموهم. فلما أصبح، عمل أعلاما وصوّر فيها صلبانا، ثم قاتل بها البرجان فهزمهم.
وقيل إنه رأى فى المنام صلبانا من نور فى السماء، وقائلا يقول له: اعمل مثل هذا على رؤوس أعلامك وقاتل بها فنصر. فأمر أهل مملكته بالرجوع عن دينهم والدّخول فى دين النصرانية، وأن يقصوا شعورهم، ويخلقوا لحاهم. وإنما فعل ذلك بهم لأن رسل عيسى عليه السلام كانوا قد وردوا على اليونان من قبل يأمرونهم بالتعبد بدين النصرانية، فأعرضوا عنهم، ومثّلوا بهم هذه المثلة نكالا بهم. ففعلوا ذلك تأسّيا بهم.
ولما تنصر قسطنطين، خرجت أمه هيلانى إلى الشام، فبنت الكنائس، وسارت إلى بيت المقدس، فطلبت الخشبة التى صلب عليها المسيح، على ما يزعمون. وكانت مدفونة فى مزبلة. فأخرجت منها، وفيها مواضع سبعة مسامير فلما حملت إليها، غلفتها بالذهب وحملتها إلى ابنها. واتخذت يوم رؤيتها لها عيدا.
قال المسعودىّ: وذلك لأربع عشرة ليلة خلت من أيلول، ووافق ذلك سبع عشرة ليلة خلت من توت من شهور القبط. وكان من مولد عيسى إلى اليوم الذى وجدت فيه الخشبة ثلاثمائة وثمان وعشرون سنة.
وسيأتى ذكر ذلك إن شاء الله تعالى فى أخبار الروم فى فنّ التاريخ، وهو فى الجزء الثالث عشر من هذا الكتاب.