وقيل: دخل الحارث بن مسكين على المأمون فسأله عن مسألة؛ فقال: أقول فيها كما قال مالك بن أنس لأبيك الرشيد؛ وذكر قوله فلم يعجب المأمون، فقال:
لقد تتيّست فيها وتتيّس مالك؛ فقال الحارث بن مسكين: فالسامع يا أمير المؤمنين من التيسين أتيس؛ فتغيّر وجه المأمون، وقام الحارث وندم على ما كان منه؛ فلم يستقرّ فى منزله حتى أتاه رسول المأمون، فأيقن بالشرّ ولبس ثياب أكفانه، ثم أقبل حتى دخل عليه، فقرّ به المأمون من نفسه، ثم أقبل عليه بوجهه وقال له: يا هذا، إنّ الله تبارك وتعالى قد أمر من هو خير منك بإلانة القول لمن هو شرّ منّى، قال لنبيّه موسى صلى الله عليه وسلم إذا أرسله إلى فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى
فقال الحارث بن مسكين: يا أمير المؤمنين، أبوء بالذنب وأستغفر الربّ؛ فقال: عفا الله عنك، انصرف إذا شئت.
وقد مدح الشعراء ذوى الحلم، فمن ذلك قول بعضهم:
لن يدرك المجد أقوام وإن كرموا ... حتّى يذلّوا- وإن عزّوا- لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مسفرة [١] ... لا ذلّ عجز ولكن ذلّ أحلام
وقال آخر:
لقد أسمع القول الذى هو كلّما ... تذكّرنيه النفس قلبى يصدّع
فأبدى لمن أبداه منّى بشاشة ... كأنّى مسرور بما منه أسمع
وما ذاك من عجز به غير أنّنى ... أرى أنّ ترك الشرّ للشرّ أدفع
وقال مهيار:
وإذا الإباء المرّ قال لك: انتقم ... قال خلائقك الكرام: بل احلم