للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما قيل فى استراحة الرجل بمكنون سرّه إلى صديقه- قال الله تعالى:

لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ

. وقالت الحكماء: لكل سرّ مستودع. قال بعض الشعراء:

وأبثثت عمرا بعض ما فى جوانحى ... وجرّعته من مرّ ما أتجرّع

فلا بدّ من شكوى إلى ذى حفيظة [١] ... إذا جعلت أسرار نفسى تطلّع

وقال حبيب:

شكوت وما الشكوى لمثلى عادة ... ولكن تفيض الكأس [٢] عند امتلائها

وقال أبو الحسن بن محمد البصرىّ:

تعب الهوى بمعالمى ورسومى ... ودفنت حيّا تحت ردم همومى

وشكوت همّى حين ضقت، ومن شكا ... همّا يضيق به فغير ملوم

ومما وصف به كتمان السرّ- قيل: أسرّ رجل إلى صديق له حديثا، فلما استقصاه قال: أفهمت؟ قال: بل نسيت. وقيل لآخر: كيف كتمانك للسرّ؟ فقال: أجحد المخبر، وأحلف للمستخبر.

ومن جيّد ما قيل فى كتمان السرّ قول الأوّل:

تلاقت حيازيمى على قلب حازم ... كتوم لما ضمّت عليه أضالعه [٣]

أؤاخى رجالا لست أطلع بعضهم ... على سرّ بعض، إنّ قلبى واسعه


[١] الحفيظة: اسم من المحافظة والحفاظ.
[٢]- هذه هى الرواية المشهورة فى البيت، وفى الأصل «تفيض النفس» .
[٣] فى الأصل: «أصابعه» والسياق يقتضى ما وضعنا.