للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثالث: أن يكون لإحسان الملك شاكرا، ولإساءته عاذرا، يشكر على يسير الإحسان، ويعذر على كثير الإساءة، ليستمدّ بالشكر إحسانه، ويستدفع بالعذر إساءته. فإن عدل عنهما، كان منه على ضدّهما. فقد قيل: أحق الناس بالمنع الكفور، وبالصنيعة الشّكور.

والرابع: أن يظهر محاسنه إن خفيت، ويستر مساويه إن ظهرت، لأنه بمحاسنه موسوم وبمساويه مقروف، يشاركه فى حمد محاسنه، ويؤاخذ بذمّ مساويه.

وربما استرسل الملك لثقته بالاحتجاب، فارتكب بالهوى ما يصان عن إذا عته، فكان الوزير أحقّ بستره عليه، لأنه الباب المسلوك منه إليه.

والخامس: أن تخلص نيّته فى طاعته، ويكون سرّه كعلانيته، فإن القلوب جاذبة تملك أعنة الأجساد؛ فإن اتفقا، وإلا فالقلب أغلب، وإلى مراده أجذب.

والقلوب تنمّ على الضمائر فتهتك أستارها وتذيع أسرارها.

وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فى [١] ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح الجسد وإذا فسدت فسد الجسد ألا وهى القلب»

. والسادس: ألّا يعارض الملك فيمن قرّب واستبطن، ولا يماريه فيمن حطّ ورفع؛ فإنه يتحكّم بقدرته ويأنف من معارضته. فربما انقلب بسطوته إذا عورض، ومال بانتقامه إذا خولف. فبوادر الملك تسبق نذيرها، وتدحض أسيرها؛ فإن سلم من الخطر لم يسلم من الضجر.


[١] كذا فى الأصل وفى قوانين الوزارة. غير أن الأصل لم تذكر به كلمة «الجسد» فى الموضعين، ونصه فى البخارىّ من حديث طويل «ألا وإنّ فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب» وفى النهاية لابن الأثير «إنّ فى ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله» .