للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والاحتراس من البطانة، من غير إقصاء [١] لمستنصح ولا استنصاح لمستغشّ، وإشغال [٢] الناس عما هم فيه من الحرب بغيره.

وقال حكيم: اللّطف فى الحيلة، أجدى للوسيلة. وقيل: من لم يتأمّل الأمر بعين عقله لم يقع سيف حيلته إلا على مقاتله، والتّثبّت يسهّل طريق الرأى إلى الإصابة، والعجلة تضمن العثرة.

ويقال: إن سعيد بن العاص صالح أهل حصن من حصون فارس على ألّا يقتل منهم رجلا واحدا، فقتلهم كلّهم إلا رجلا واحدا.

وقيل: لما أتى بالهرمزان أسيرا الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، قيل له:

يا أمير المؤمنين، هذا زعيم العجم وصاحب رستم [٣] ؛ فقال له عمر رضى الله عنه:

أعرض عليك الإسلام نصحا لك فى عاجلك وآجلك؛ فقال: إنما أعتقد ما أنا عليه ولا أرغب فى الإسلام رهبة؛ فدعا عمر بالسيف، فلما همّ بقتله، قال: يا أمير المؤمنين، شربة من ماء هى أفضل من قتلى على الظمأ؛ فأمر له بشربة من ماء؛ فلما أخذها الهرمزان قال: يا أمير المؤمنين، أنا آمن حتى أشربها؟ قال: نعم؛ فرمى بها وقال:

الوفاء يا أمير المؤمنين نور أبلج؛ قال: صدقت، لك التوقّف عنك والنظر فيك، ارفعا عنه السيف؛ فقال: يا أمير المؤمنين، الآن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وما جاء به حق من عنده؛ فقال عمر: أسلمت خير إسلام، فما أخّرك؟

قال: كرهت أن يظنّ بى أنى إنما أسلمت خوفا من السيف؛ فقال عمر: ألا إنّ لأهل فارس عقولا استحقّوا بها ما كانوا فيه من الملك، ثم أمر ببرّه وإكرامه.


[١] فى الأصل: «من غير إفضاء..» .
[٢] فى الأصل: «واشتغال الناس ... » .
[٣] هو رستم بن فرخزاد، كان من أعظم رجال فارس وقائد جيوش يزدجرد ملك ساسان فى وقعة القادسية التى انتصر فيها المسلمون حينما أرسل سعد بن أبى وقاص لفتح ايران فى خلافة عمر رضى الله عنه.
وقد قتل رستم فى هذه الوقعة.