ومن إنشاء القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانىّ من جواب كتبه وصف فيه وقعة، كتب: ورد على المملوك كتاب المولى يذكر الرّجفة التى سرى منها الى أسماع الأولياء قبله ما سرى الى عيون الأولياء بحضرته؛ وتعاظمهم الفادح الذى هم راسبون فى غماره ساهون فى غمرته؛ ووصف عظم أثرها ورائع منظرها ومطعن هدّتها [١] ، ومزعج واقعتها وفظيع روعتها؛ واضطراب الجبال وخشوعها، وانشقاق الأبنية وصدوعها؛ وسجود الحصون الشّمّ، وخضوع الصخور الصّمّ؛ وجأر العباد إلى ربهم لما مسّهم من الضرّ، ولياذهم بقصده لما دهاهم من الأمر؛ فوصف عظيما بعظيم، ومثّل مقاما ما عليه صبر مقيم؛ وأنذر بانتقام قائم إلا أنه كريم، وجبّار إلا أنه حليم؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون نقولها واضعين الخدود تذلّلا، وإنا فى سبيل الله وإنا إليه نائبون تخلّصا ونضمّنها بالقلوب إخلاصا وتبتّلا؛ وعرف المملوك ما وسع الخلق من معروفه وإرفاقه، وجبر الحصون من عمارته منازل التوحيد وأوكاره، بأمواله التى وقفها فى سبيل الله وهانت عليه إذ كان على يد البرّ إخراجها، وكرمت لديه إذ طالبت بها خطرات الشهوات واعتلاجها؛ واستقرضها من الأرض خراجا ثم وفّاها ما اقترض بعمرانها، واستخرجها من بطنانها ثم أعادها الى ظهرانها؛ وأرساها للإسلام بقواعد حصونها، وأسناها فى يد المسلمين بوثائق رهونها؛ ولم يزل الله يختصّه بكل حسنة متوضحة، ويوفّقه لكل صالحة مصلحة؛ وينعم عليه بالنية الصادقة، وينعم منه بالموهبة السابغة السابقة؛ فإن نزلت نازلة من وقائع الأقدار، وإن [١] عرضت عارضة من عوارض الأيام، تلقّاها حامدا، وأسا جرحها جاهدا، وعوّل على ربه قاصدا، وأنفق فيما أصبح منه عادما ما أمسى له واجدا.