للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون من أهل الاجتهاد، ولم يجز أن يفتى ولا أن يقضى. فان قلّد القضاء فحكم بصواب أو خطإ كان تقليده باطلا، وحكمه وإن وافق الصواب مردودا، وتوجّه الحرج عليه وعلى من قلّده. وجوّز أبو حنيفة تقليد القضاء من ليس من أهل الاجتهاد، ويستفتى فى أحكامه وقضاياه.

هذا معنى ما قاله أقضى القضاة أبو الحسن على الماوردىّ.

وقال الحسين الحليمىّ فى كتابه المترجم ب «المنهاج» : وينبغى للإمام ألّا يولّى الحكم بين الناس إلا من جمع إلى العلم السكينة والتثبّت، والى الفهم الصبر والحلم، وكان عدلا أمينا نزها عن المطاعم الدنيّة، ورعا عن المطامع الرديّة؛ شديدا قويّا فى ذات الله، متيقّظا متخوّفا من سخط الله؛ ليس بالنّكس الخوّار فلا يهاب، ولا المتعظّم الجبّار فلا ينتاب؛ لكن وسطا خيارا. ولا يدع الإمام مع ذلك أن يديم الفحص عن سيرته، والتعرّف بحالته وطريقته؛ ويقابل منه ما يجب تغييره بعاجل التغيير، وما يجب تقريره بأحسن التقرير؛ ويرزقه من بيت المال- إن لم يجد من يعمل بغير رزق- ما يعلم أنه يكفيه؛ ولا يقصّر به عن كفايته، فيتطّلع الى أموال الناس ويشتغل عن أمورهم بطرف من الاكتساب يجبر به ما نقصه الإمام من كفايته، فتختلّ بذلك القواعد. وإذا رزق [الإمام] القاضى فلا يصيب وراء ذلك من رعيّته شيئا، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من استعملناه على عمل من أعمالنا ورزقناه شيئا فما أصاب بعد ذلك- أو مما سوى ذلك- فهو سحت» . وإن أهدى إليه شىء، لم يكن له قبوله. فإن كان للمهدى قبله خصومة فأهدى ليحكم له أو لئلّا يحكم عليه، فهذا هو الرّشوة، وهو سحت. وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرّاشى والمرتشى والرائش؛ وهو الذى يمشى بينهما. وإن أهدى اليه المحكوم له بعد الحكم تشكّرا، لا يقبله؛ لأنّ ما فعل كان واجبا عليه.