للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنزلت فى ذلك (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ)

. وقد قيل فى هذا الحديث إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الزبير أوّلا الى الاقتصار على بعض حقّه على طريق التوسّط والصّلح، فلمّا لم يرض الأنصارىّ بذلك وقال ما قال، استوفى النبىّ صلى الله عليه وسلم للزبير حقّه. ويصحّح هذا القول ما جاء فى آخر الحديث:

«فاستوعى [١] له حقّه» يعنى للزبير.

ثم لم ينتدب للمظالم من الخلفاء الأربعة رضى الله عنهم أحد، وإنما كانت المنازعات تجرى بين الناس فيفصلها حكم القضاء. فإن تجوّز من جفاة الأعراب متجوّز، ثناه الوعظ إن تدبّره، وقاده العنف إن أبى وامتنع، فاقتصروا على حكم القضاء، لانقياد الناس اليه والتزامهم بأحكامه. ثم انتشر الأمر بعد ذلك وتجاهر الناس بالظلم والتغالب، ولم يكفّهم زواجر المواعظ، فاحتاجوا فى ردع [٢] المتغلّبين وإنصاف المظلومين من الظالمين الى النظر فى المظالم؛ فكان أوّل من انفرد للمظالم وجعل لها يوما مخصوصا يجلس فيه للناس وينظر فى قصصهم ويتأمّلها عبد الملك ابن مروان، فكان اذا وقف فيها على مشكل ردّه الى قاضيه أبى إدريس الأودىّ فنفّذ فيها أحكامه، فكان عبد الملك هو الآمر وأبو إدريس هو المباشر. ثم زاد جور الولاة وظلم العتاة واغتصاب الأموال فى دولة بنى أميّة، الى أن أفضت الخلافة الى عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- فانتصب بنفسه للنظر فى المظالم، وراعى السنن العادلة، وردّ مظالم بنى أميّة على أهلها؛ فقيل له- وقد شدّد عليهم فيها وأغلظ-: إنا نخاف عليك، من ردّها، العواقب؛ فقال: كل ما أتقّيه وأخافه دون


[١] استوعى له حقه: استوفاه له كله.
[٢] كذا فى الأحكام السلطانية. وفى الاصل «الى ردّ المتغلبين» .