للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحال الرابعة- أن يرى المحتسب انعقاد الجمعة بهم ولا يراه القوم، فهذا مما فى استمرار تركه تعطيل الجمعة مع تطاول الزمان وبعده وكثرة العدد وزيادته، فهل للمحتسب أن يأمرهم بإقامتها اعتبارا بهذا المعنى، أم لا؟ فقد اختلف الفقهاء فى ذلك على وجهين:

أحدهما- وهو قول أبى سعيد الإصطخرىّ- أنه يجوز له أن يأمرهم بإقامتها اعتبارا بالمصلحة، لئلّا ينشأ الصغير على تركها فيظنّ أنها تسقط مع زيادة العدد كما تسقط بنقصانه؛ فقد راعى زياد بن أبيه مثل هذا فى صلاة الناس فى جامعى البصرة والكوفة، فإنهم كانوا اذا صلّوا فى صحبه فرفعوا من السّجود مسحوا جباههم من التّراب، فأمر بإلقاء الحصى فى صحن المسجد، وقال: لست آمن أن يطول الزمان فيظنّ الصغير اذا نشأ أنّ مسح الجبهة من أثر السجود سنّة فى الصلاة.

والوجه الثانى- أنه لا يتعرّض لأمرهم بها، لأنه ليس له حمل الناس على اعتقاده [١] ، ولا أن يأخذهم فى الدين برأيه، مع تسويغ الاجتهاد فيه، وأنّهم يعتقدون أنّ نقصان العدد يمنع من إجزاء الجمعة. فأمّا أمرهم بصلاة العيد فله أن يأمرهم بها.

وهل يكون الأمر بها من الحقوق اللازمة أو من الحقوق الجائزة؟ على وجهين من اختلاف أصحاب الشافعى فيها: هل هى مسنونة أو من فروض الكفاية. فإن قيل:

إنها مسنونة، كان الأمر بها ندبا؛ وإن قيل: إنها من فروض الكفاية، كان الأمر بها حتما. فأمّا صلاة الجماعة فى المساجد وإقامة الأذان فيها للصلوات، فمن شعائر الإسلام وعلامات متعبّداته التى فرّق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين دار الإسلام ودار الشّرك. فإذا أجمع أهل محلّة أو بلد على تعطيل الجماعات فى مساجدهم وترك الأذان


[١] كذا فى الأحكام السلطانية. وفى الأصل «على انعقاده» وهو تحريف.