للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا تشبيه المعقول بالمحسوس فهو كقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ.

وأما تشبيه المحسوس بالمعقول فهو غير جائز، لأن العلوم العقليّة مستفادة من الحواسّ ومنتهية إليها، ولذلك قيل: من فقد حسّا فقد علما، فإذا كان المحسوس أصلا للمعقول فتشبيه به يكون جعلا للفرع أصلا والأصل فرعا ولذلك لو حاول محاول المبالغة فى وصف الشمس بالظهور والمسك بالثناء «١» فقال:

الشمس كالحجّة فى الظّهور، والمسك كالثّناء فى الطّيب، كان ذلك سخفا من القول فأمّا ما جاء فى الشعر من تشبيه المحسوس بالمعقول فوجهه أن يقدّر المعقول محسوسا، ويجعل كالأصل «٢» المحسوس على طريق المبالغة، فيصحّ التشبيه حينئذ وذلك كما قال الشاعر:

وكأنّ النجوم بين دجاها ... سنن لاح بينهنّ ابتداع

فإنّه لما شاع وصف السنّة بالبياض والإشراق، واشتهرت البدعة وكلّ ما ليس بحقّ بالظلمة «٣» تخيّل الشاعر أن السنن كأنها من الأجناس التى لها إشراق ونور، وأن البدع نوع من الأنواع الّتى لها اختصاص بالسواد والظلمة، فصار ذلك كتشبيه محسوس بمحسوس، فجاز له التشبيه، وهو لا يتمّ إلا بتخييل ما ليس بمتلوّن [متلوّنا «٤» ] ثم يتخيّله أصلا فيشبّه به، وهذا هو الّذى تؤوّل فى قول أبى طالب الرّقّىّ: